مع التوجه الحكومي لاعتماد نظام الدفع الإلكتروني، وصدور توجيهات مستمرة بهذا الشأن، يبرز السؤال حول ثقة المواطنين بالمصارف في ظل الإشكالات التي أثيرت مؤخرا وفرض عقوبات على بعضها، وهنا أكد متخصصون ومستشار حكومي، على أن أموال المودعين ستكون تحت حماية أنظمة عدة وشركة للتأمين، فضلا عن الحماية التي توفرها شركات البطاقات العالمية، وفيما بينوا أن هذا التحوّل بالتعامل سينهي حقبة الأوراق النقدية وتلفها وطبعها مجدداً، أشاروا إلى أن الأمر بحاجة لحملات تثقيف قوية كي يعمّم على الجميع.
ويقول الخبير المصرفي عبد الرحمن الشيخلي، إن "بطاقة POS لا ترتبط بمصرف معين، فالتاجر هو من يرتبط بالمصرف، والبطاقة ترتبط بشركات الدفع الإلكتروني، فهذه الأخيرة هي من تطبع البطاقة وتعمل على توزيعها وهي الضامنة لها وليس المصرف، كون وظيفة الأخير هو فتح الحساب للتاجر فقط".
ويشرح الشيخلي: أن "المواطن الذي اشترى البطاقة من شركات الدفع الإلكتروني وأودع بها الرصيد بمبلغ معين، عندما يتعامل مع التجار الذين يحملون الأجهزة الخاصة بهذه البطاقة، يتم سحب الأموال من بطاقة التاجر، وبذلك تكون العملية مرتبطة بممول المصرف فقط، أما المواطن فيشتري البطاقة من شركات الدفع الإلكتروني وهي الماستر كارد أو الفيزا كارد، إضافة إلى أن هناك نية لتطويرها كي تشمل شركات توطين الرواتب الأخرى، ولكن هذا يستغرق وقتا طويلا من التعبئة الجماهيرية والتثقيف بها ليكون المواطن واعيا بكيفية التصرف بالراتب وهذا يأتي في مرحلة تالية".
ويستدرك، أن "الضامن الحقيقي لهذه العملية بالنسبة للمواطن، هي الشركة، وهذه العملية متبّعة في جميع بلدان العالم، فهي توفر الكثير من الجهد للمواطنين كحمل الأموال ونقلها والحد من عمليات السرقة أو الضياع، إضافة إلى موضوع تلف الأوراق النقدية وإعادة طبعها التي تكلف الدولة كثيراً".
ويلفت الشيخلي، إلى أن "الأموال عندما تكون بهذه البطاقة، لن يكون هناك تداول نقدي بين البنوك بشكل مباشر إنما من خلال الدفع الإلكتروني، وعملية انتقال الأموال ستكون عن طريق أتمتة الأجهزة الإلكترونية التي ستحدث في الوقت الحاضر، كما أن البنك المركزي يعمل على المشروع منذ عام 2019 وقد وجه المصارف على العمل والارتباط مع شركات الدفع الإلكتروني، ولكن حتى الآن لا يوجد التزام بهذه التوجيهات".
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، وجه أمس الأحد، الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات كافة، بالإسراع في تنفيذ نقاط البيع بنظام الدفع الإلكتروني (POS) وبذل الجهود الحثيثة من أجل ذلك.
يذكر أن الحكومة وبالتعاون مع البنك المركزي، توجهت إلى تفعيل الدفع الإلكتروني مؤخرا، وذلك خلال الإجراءات المتبعة للحد من التضارب بسعر صرف الدولار، حيث اشتملت حزم الإجراءات على تفعيل هذه الخدمة، وتحديدها بالدينار فقط.
وبدأت تجربة الدفع الإلكتروني في محطات الوقود، وجرى تزويدها بالأجهزة اللازمة، بعد أن حدد البنك المركزي العمولة المستحصلة، خاصة إذا كان الدفع والاستلام بين مصارف مختلفة.
إلى ذلك، وبشأن مدى ثقة المواطن بالمصارف، يؤكد المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء مظهر محمد صالح، أن "التمييز بين المصارف يتم على وفق التصنيف الائتماني A أو B أو C أو قد يكون من دون تصنيف للمصرف المعتمد".
ويضيف صالح، أن "بطاقة الدفع في النهاية لا يمكن أن تتحرك دون توافر حساب مصرفي أساساً، فكل حركات السحب والإيداع تظهر على الحساب المصرفي، وحسابات المودعين لدى المصارف مؤمنة لدى الشركة العراقية للتأمين على الودائع".
وكان البنك المركزي العراقي، أعلن في عام 2020، عن إطلاقه خدمة تحويل الأموال بين البطاقات الائتمانية، وحدد سقف التحويل للمرة الواحدة بـ400 ألف دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي، فيما تصل حدود المبالغ المحولة خلال الشهر الواحد إلى مليوني دينار أو ما يعادلها بالدولار الأمريكي.
وعلى الرغم من أن بعض المصارف في العراق تصدر بطاقات ائتمانية، إلا أن استخدامها بقي في نطاق محدود، كتسلم حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.
ويضم العراق، بحسب آخر إحصاء منشور في موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية.
وكان معاون محافظ البنك المركزي عمار حمد، قال مطلع الشهر الحالي، إن عدد بطاقات الدفع الإلكتروني ارتفعت من 10 ملايين إلى أكثر من 14 مليون بطاقة، مع ازدياد أجهزة الصراف الآلي إلى أكثر من 1500 جهاز، ونقاط البيع إلى أكثر من 7 آلاف.
بدوره، وبشأن الضمانات التي يكسبها المواطن، يوضح الباحث المختص بالشأن الاقتصادي نبيل التميمي، أن "هناك مؤسسة في البنك المركزي تدعى ضمان الودائع العراقية، وتتخصص بضمان الودائع والمبالغ التي يضعها المودعون في البنك، سواء كانت هذه الودائع صغيرة أو كبيرة، فالبنك المركزي أعلن عن نظام جديد قبل فترة قصيرة سوف يتم من خلاله مراقبة جميع الفعاليات التي تتم في المصارف، وهذا النظام قد يتدارك أي عملية مشبوهة تقوم بها المصارف مثل السحوبات الكبيرة أو الخسائر المتتالية أو الديون العالية، وبذلك سوف يعلم البنك المركزي بكمية المخاطر الموجودة في المصارف".
ويستدرك التميمي، أن "المصارف الحكومية مثل مصرف الرشيد ومصرف الرافدين، سوف تكون ضمن المصارف التي تعمل على تقنية POS وغيرها من التقنيات التي تستفيد منها المصارف والعملاء، ومن ضمنهم مستخدمو البطاقات الذين بإمكانهم اختيار مصارف عدة سواء كانت أهلية أو حكومية".
ويرى أن "من الضروري الوصول لهذه المرحلة من أجل إجراء التحويلات المالية الداخلية ومعاملات البيع والشراء، ومن الممكن أن تكون الانتقالة سريعة، لاسيما أن التحرك الحكومي هو الوحيد الذي يسرع من هذا الملف".
وتعد الأرقام المعلنة من حمد ضئيلة مقارنة بعدد نفوس العراق من البالغين الذي يقدر بأكثر من 25 مليون شخص، بحسب قاعدة بيانات مفوضية الانتخابات، بينما أغلب دول العالم ودول الجوار تعتمد بشكل كلي على الدفع الإلكتروني وتنتشر فيها أجهزة الصراف الآلي بشكل كبير وتغطي كل زقاق تقريبا، فضلا عن اعتماد أغلب المحال التجارية وبكافة المهن على الدفع الإلكتروني نظراً لتوفر الأجهزة لديهم، حيث يحصلون عليها من المصارف.
يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟