- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
حجية التسجيلات الصوتية في الإثبات الجنائي
بقلم: حُسين المولى
من المعلوم أن التطور التقني أتاح أفكارًا جديدة وعديدة منها ما يمكن معالجته قانونيًا بصورة سريعة ومنها ما لا يمكن بسبب سرعة التطور، وهذا ما يعاب على القوانين والأنظمة المعمول بها حاليًا في أنها تحبو والتقنية تسارع الخطى بالركض.، ومن بين الأمور التي تثير النقاش القانوني هو حجية الأدلة الجديدة في مجال الإثبات القانوني سواء بصورته الجنائية أو المدنية، حيث إن العديد من التشريعات سارت على مبدأ تقليدي وهو عدم جواز تسجيل المكالمات دون إذن من السلطات المختصة -برأينا هو اتجاه مناسب لظروف معينة وليس مبدأ عام يمكن أن يتصف بالثبات-، وهذا التوجه نجده في تطبيقات القضاء، سواء العراقي أو المصري، وكما بينا أنه يصح في فعل فإنه لا يصح في آخر.
على سبيل المثال، لإثبات جريمة سب وقذف تمت عبر الهاتف وبصورة آنية، كيف يمكنني الحصول على الإذن المسبق بالتسجيل لضمان حق الشخص؟ أو في حالة جريمة ابتزاز تمت عبر مكالمة هاتفية؟ كذلك، في مجال الإثبات المدني، نجد هذا النوع من التسجيلات حاضرًا، فمثلاً إذا حصل إقرار من شخص بحق أو دين أو غيره من الحقوق، فكيف يمكن إثباته دون استخدام التسجيلات الصوتية؟
الحياة الخاصة والخصوصية مفاهيم موجودة سواء بصورة نص دستوري وهو النص الأعلى كما في الدستور العراقي لعام 2005، أو بتشريعات حديثة نسبيًا جاءت نتيجة لتوسع نطاق استخدام الإنترنت والمنصات الاجتماعية والهواتف المحمولة، التي أصبحت بيئة خصبة لارتكاب العديد من الأفعال غير القانونية، لذا، يستدعي الأمر إعادة النظر في صياغة القاعدة القانونية لتتماشى مع التوجهات الحالية والمستقبلية.
ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، ظهرت تقنيات متطورة تمكن من تزييف الأصوات، بما يعرف بالتزييف العميق Deepfake الصوتي، هذه التقنية قادرة على خلق تسجيلات صوتية تبدو وكأنها صادرة من الشخص المستهدف دون أن يكون له علم أو مشاركة في تلك التسجيلات، اذ يمثل ذلك تهديدًا خطيرًا لمصداقية الأدلة الصوتية، حيث يمكن التلاعب بالصوت بصورة تتيح استخدامه كأداة للاحتيال أو الابتزاز، أو حتى لتلفيق التهم، وبالتالي، فإن إثبات صحة التسجيلات بات أكثر تعقيدًا من السابق ويتطلب وجود تقنيات وخبرات تقنية عالية للتحقق من صحة التسجيل والتأكد من أنه لم يتعرض لأي نوع من التلاعب، ولذلك، يتطلب إعطاء الحجية القانونية لهذا النوع من الأدلة الصوتية ضوابط صارمة، بما في ذلك استخدام تقنيات حديثة لتحليل الصوت والتأكد من أنه غير مزيف، لضمان حماية حقوق الأفراد وتجنب إساءة استخدام هذا النوع من الأدلة في المحاكمات.
ختامًا، ينبغي أن يتم تعديل القوانين الحالية لاستيعاب هذه المخاطر التقنية الجديدة، مع مراعاة التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، وذلك بما يضمن الحفاظ على التوازن بين حقوق الأفراد في الخصوصية والحاجة إلى الأدلة التقنية في التحقيقات الجنائية والمدنية.