بقلم: القاضي عامر حسن شنته
يقول الصحفي البريطاني المعروف (روبرت فيسك)، الذي سبق له أن قام بتغطية الأحداث في مناطق النزاعات المسلحة والحروب، انه ينبغي للصحافة أن تراقب التاريخ، وأن تشهد عليه. وأن تعمد الى تسجيله بقدر ما تستطيع من الأمانة، على الرغم من المخاطر والضغوط ونقائصنا كبشر. وقد كشفت الأحداث الجارية في كل من غزة ولبنان، عن وجود اتجاهين لتغطية تلك الأحداث، ونقلها للجمهور، وتوثيقها للتاريخ.
اتجاه صحفي يعتمد المصداقية، والأمانة بشكل أدى إلى مقتل المئات من العاملين فيه بحسب إحصاءات المنظمات المتخصصة. حتى وصل الأمر بمنظمة (هيومن رايتس ووتش) إلى وصف استهداف الكيان الصهيوني لأولئك الصحفيين بأنه (جريمة حرب) وهي تلك الجرائم التي تنطوي على انتهاكات خطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة.
واتجاه صحفي أخر منحاز يعتمد في التغطيات الإعلامية للأحداث الجارية في غزة ولبنان التضليل الإعلامي، ونشر الأخبار الكاذبة منهجاً له. ويحرص على تغذية العنف والأعمال الإجرامية ضد فئات معينة، من خلال نعته لتلك الفئات بالإرهاب، وتبرير هجمات الكيان المحتل ضدهم. إن الاستهداف المستمر من قبل الكيان الصهيوني للصحفيين يخالف بشكل صريح المادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف المعقودة في عام 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة، والتي عدت الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين يجب حمايتهم.
فبات أولئك الصحفيون أهدافاً مشروعة تسعى آلة القتل الصهيوني المتوحشة إلى الفتك بهم، وترويع كل من يحاول أن ينهج نهجهم. إن التغطيات الصحفية للأحداث الجارية، ينبغي أن تتسم بالمصداقية والأمانة. والتي تتجسد في أمور عدة.
منها على سبيل المثال التوازن في عرض الرأي والرأي الأخر، والدقة في مراجعة المادة الصحفية قبل نشرها. وإسناد الكلام إلى مصدره وان يكون المصدر موثوقاً، والتجرد من العمل لصالح جهة بعينها وتبني وجهة نظر تلك الجهة بشكل متحيز يعتمد تشويه الحقائق وخلطها بصورة تتنافى مع المعالجة المهنية والأخلاقية للأحداث.
ومما تجدر الإشارة إليه أن قانون العقوبات العراقي قد عاقب على إذاعة الأخبار والبيانات والإشاعات الكاذبة والمغرضة أو بث الدعايات المثيرة. إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وذلك في المواد (210و211) منه. كما عاقب بموجب المادة (7) من قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني رقم 1 لسنة 2022، كل من روج لسلوكيات صهيونية بأية وسيلة كانت علنية أو سرية بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي أو أي وسيلة أخرى. ولا شك أن الترويج للسلوكيات الإجرامية للكيان الصهيوني في الأحداث الجارية ومحاولة تبريرها، تعد مثالاً واضحاً على الترويج المشار إليه في هذه المادة.
كما نص على سريان هذا القانون على وسائل الإعلام العراقية العاملة داخل العراق وخارجه، بموجب المادة (3/خامساً) منه. وقد جرم القانون تلك السلوكيات والأفعال لما تمثله من خروج مشين عن مهمة الصحافة الحقيقية التي المحنا اليها في بداية المقال من ان تكون شاهداً أميناً على مايجري، وأن لا تكون شاهد زور.