بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
لم تعد السياسة العقابية هي الوسيلة المثلى لمواجهة الجريمة لأنها ترهق كاهل العدالة وتزيد كم القضايا المعروضة أمام محاكم الجزاء إضافة الى ما تسببه من اكتظاظ للنزلاء يصعب مواجهته ومعالجته في المؤسسات الإصلاحية، وإزاء هذه الأزمة راحت نظم العدالة الجنائية تلجأ الى العدالة الرضائية كبديل عن العدالة العقابية.
والعدالة الرضائية ترتكز على نظام الوساطة الجنائية لحل الخلاف الجنائي بين الجاني والمجني عليه في أجواء اجتماعية بعيدا عن الدعوى الجزائية او على الأقل تأخذ الوساطة الجنائية دورها لحل المشكلة في بداية الدعوى الجزائية وتمنع استمرارها لوقت طويل, والوساطة الجنائية تحول العدالة من كونها عدالة عقابية قمعية الى عدالة تصالحية رضائية يغلب عليها الطابع التصالحي الاجتماعي فالمجني عليه – المشتكي, سيتم تعويضه عن الضرر الذي أصابه, والجاني – المشكو منه, سيقبل بما تفرضه الوساطة الجنائية عليه سواء بالاعتذار او بتعويض المجنى عليه لان ذلك سيكون اخف وطئا واقل ضررا عليه مما سيتكبده لو لجأ المشتكي الى العدالة الجنائية العقابية، وفي جميع الأحيان فان الثقل سيخف على كاهل المحاكم وسوف يقل عدد القضايا التي تعرض عليها. وهناك الكثير من النظم القانونية التي اخذت بالوساطة الجنائية كسياسة بديلة عن العدالة العقابية وأوكلت مهمة التوفيق بين وجهتي نظر المشتكي والمشكو منه الى طرف ثالث يكون في اغلب الأحيان احد أعضاء النيابة العامة للوصول الى تسوية توقف سريان الدعوى الجزائية وهذا النظام معمول به في العديد من الدول الأوربية وبعض الدول العربية كالجزائر.
اما في العراق فنجد ان الصلح هو احد المسارات القانونية التي أجاز المشرع لأطراف الدعوى الجزائية سلوكها للوصول الى تسوية صلحية ومن ثم غلق الدعوى الجزائية بناء على اتفاقهم لكن نطاق سريان قواعد الصلح في القانون العراقي ضيقة وفي عدد محدود من الجرائم ذات الأضرار القليلة كذلك فان المشرع العراقي لم يأخذ بنظام الوساطة الجزائية بشكل واضح وصريح ولم يتم تنظيمه بموجب نصوص قانونية واضحة تبين أحكام هذه الوساطة وتحدد الحالات التي يتم قبولها فيها كذلك تحدد الجهة التي توكل اليها مهمة تبني الوساطة الجزائية والتوفيق بين أطراف الدعوى ومن ذلك اخلص الى ان الوساطة الجنائية تضمن للمجني عليه تعويضا سريعا وللجاني خلاصا من تقييد الحرية وللمحاكم عبئا اخف وعدد اقل من القضايا المعروضة وتضمن للدولة نظاما للعدالة التصالحية الحديثة يجنبها مضار العدالة العقابية التقليدية.