جدّد رفع الحجز عن عقارات المتهم بـ"سرقة القرن" نور زهير، الحديث عن خفايا هذه السرقة الكبرى، وفيما أرجع مراقبون وسياسيون هذا القرار إلى القضاء وأكدوا عدم وجود تدخل سياسي فيه، جرت الإشارة إلى أن هذه الأموال تابعة لشركات كبرى وليست من المال العام، ما يفسح المجال أمام زهير بمقاضاة من اتهمه واستعادة الأموال التي استحصلتها الدولة منه، لكن هذا الأمر يضع مؤشرات فساد حول كيفية حصول المتهم على وكالات من الشركات لغرض سحب أموالها.
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي غالب الدعمي، إن "هذا الملف قضائي بحت وليس حكوميا، إذ أن من قبض عليه هو من أخرجه وسمح بكفالته ورفع منع السفر عنه والحجز عن أمواله وأموال زوجته، فهناك من يقول إن هذه الأموال تيرانوفا ضريبية لشركات عالمية ومحلية وهذه الشركات تعجز بسبب البيروقراطية والفساد من أن تحصل عليها، وهم يعملون في هذه الدوائر التي تمتلك المال على عرقلة حصول الشركات على أموالها، وعليه ربما يكون المعني بالموضوع نور زهير قد أخذ وكالات من هذه الشركات واستطاع بعلاقاته إطلاق هذه الأموال وتحويلها لها".
ويفيد الدعمي بأن "هذه الأموال ليست للحكومة إنما لشركات أجنبية، وهي عبارة عن ضمانات وأمانات، وهذا يعني انه فعلا استطاع الحصول على وكالات رسمية من هذه الشركات، وفي النهاية يحق له استرجاع الأموال حتى أنه يمتلك الحق بمقاضاة الجهة التي اتهمته".
وكان كتاب رسمي، تسرب يوم أمس الأول، صادر من وزارة العدل وموجه إلى دائرة التسجيل العقاري في البصرة، تضمن رفع شارة الحجز عن عقارات نور زهير وزوجته، استنادا لكتاب رئاسة محكمة استئناف بغداد الكرخ.
يذكر أنه في كانون الثاني الماضي، تسرب كتاب من محكمة استئناف الكرخ، موجها إلى وزارة المالية، بشأن رفع شارة الحجز عن شركة العاصمة لاستيراد وخدمات وصيانة القطارات والسكك الحديد والاستثمارات العقارية والصناعية ونصب وتشغيل وصيانة محطات توليد الطاقة الكهربائية، العائدة للمتهم نور زهير جاسم المظفر وزوجته رؤی حسین شیهان وأولاده كل من فاطمة ومحمد ومنن والولي الجبري عليهم نور زهير جاسم المظفر.
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع، أن "المدير العام في جهاز المخابرات العراقي ضياء الموسوي، والمتهم بسرقة القرن، والذي سلم نفسه إلى القضاء، يقبع في سجن الاستخبارات العسكرية (سجن المطار)، ويخضع للتحقيق بشكل مكثف".
ويكشف المصدر، أن "الموسوي، وخلال الشهر الماضي، كان ينقل بشكل يومي، وبعد انتهاء الدوام الرسمي، إلى مجلس القضاء الأعلى لغرض التحقيق معه، وتدوم جلسته مع القاضي لمدة لا تقل يوميا عن 3 ساعات"، مبينا أن "رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان سبق وأن التقى الموسوي بعد اعتقاله في جلسة امتدت لأربع ساعات".
ويؤكد أن "الموسوي ما زال لغاية الآن محتجزا في السجن، ويخضع للتحقيق وتدوين أقواله، وهذه العملية تجري مباشرة مع القضاة وليس عبر محققين".
وكانت القوات الأمنية اعتقلت المتهم الأبرز بسرقة القرن، نور زهير، في 24 تشرين الأول الماضي -خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي-، قبيل فراره لخارج العراق بطائرة خاصة من مطار بغداد الدولي، حيث جرى منع الطائرة من الإقلاع بعد صعوده على متنها واعتقاله.
وكان نور زهير، قد أطلق سراحه في تشرين الثاني الماضي -خلال فترة حكومة محمد شياع السوداني-، بعد اتفاق بينه وبين محكمة تحقيق الكرخ الثانية، على جدولة لاسترداد كامل المبلغ في حوزة المتهم.
من جانبه، يؤكد الخبير المصرفي علي النصيفي، إن "الشركات الاستثمارية التي قد يكون زهير تعامل معها، هي نفطية بالدرجة الأساس، والشركات الاستثمارية التي لديها عمل مع الحكومة تودع أمانات ضريبية لدى الحكومة ويفتح لها حساب بأحد المصارف الحكومية لحين إكمال الشركات مشاريعها المتعاقدة عليها".
ويضيف النصيفي أن "من باب الحذر كان مفترضا وكعرف إداري يجب التحوط من شخص يمتلك أكثر من وكالة من كبريات الشركات التي لا نعلم عددها ممن تملك أمانات ضريبية، وكان يفترض على وزارة المالية والبنك المركزي أن يدققا في هذا الشأن، وكذلك عن نور زهير والقدرة المالية على استحصال وكالات من أكثر من شركة عالمية، وهذا يفتح أبواب استفهام فيما إذ ما كانت تقف خلفه مافيات سياسية واقتصادية".
وعن قيمة مبلغ الضمانة الضريبية، يشير إلى أنه "غير محدد بل يكون حسب نوع وحجم المشروع ونسبة تنفيذه ويتم إيداع المبلغ لمدة 10 سنوات وإذا ما باعت الشركة بهذا المبلغ خلال هذه الفترة فانه يودع للدولة"، مشيرا إلى أن "عدد الشركات التي توكل عنها زهير ليس بالضرورة أن يكون كبيرا، فالشركات النفطية دائما ما تكون أماناتها الضريبية كبيرة، إذ أن اقل شركة يكون عقدها السنوي من 2 إلى 3 مليارات دولار".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قال قبل أيام، أن المبالغ المستردة من سرقة القرن بلغت 400 مليار دينار.
يذكر أن السوداني سرد سابقا، ما توصلت إليه اللجان التحقيقية، وهي صرف 114 صكا للمتهم نور زهير، بمبلغ إجمالي أكثر من تريليون دينار، صرف 37 صكا بمبلغ إجمالي قدره 624 مليار دينار لشركة بادية المساء، وصرف 66 صكا بمبلغ إجمالي 982 مليار دينار لشركة الحوت الأحدب لمديرها المفوض الهارب عبد المهدي توفيق ومالكها المتهم قاسم محمد، وصرف 45 صكا بمبلغ إجمالي 607 مليارات دينار لشركة رياح بغداد لمديرها المفوض عبد المهدي توفيق ومالكها الملقى القبض عليه حسين كاوة.
من جانبه ، يذكر نائب عن الإطار التنسيقي، وهو عامر الفائز، أن "قرار رفع الحجز عن أملاك زهير لا يخص الحكومة ولا الإطار التنسيقي بل هو قرار قضائي، ويأتي من قناعات القضاة ولا دخل للحكومة بهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد، حتى وان كانت حكومة الإطار لكن القضاء عام وليس مختصا بطرف معين".
ويضيف الفائز أن "هذا القرار لا يمكن اعتباره سُنّة مستقبلا، ولا يعني أن كل من يسرق يخرج دون عقاب، فهذه القضية أخذت مسارها القانوني في القضاء، ونحن نؤمن بقرارات القضاء وهو صاحب القرار النهائي بهكذا مسائل وقضايا".
يشار إلى أن مستشار رئيس الحكومة السابق هيثم الجبوري، اعتقل في تشرين الثاني الماضي، بتهمة تضخم الأموال وتورطه بسرقة القرن، وأطلق سراحه منتصف كانون الثاني الماضي بكفالة مالية.
يذكر أن الكشف عن سرقة القرن، يعود إلى عهد وزير النفط السابق إحسان عبد الجبار، حيث كشف خلال إعلانه استقالته من منصب وزير المالية وكالة، عن سرقة 2.5 مليار دولار (3.7 ترليون دينار) من أموال الضريبة في مصرف الرافدين الحكومي.
أخيراً، يوضح الباحث في الشأن الاقصادي غازي فيصل، أن "الفساد أصبح ظاهرة متجذرة وجزءا من العمل في مؤسسات الدولة، إذ يعكس الفساد المالي ظاهرة المافيات التي تمارسه عبر تبييض الأموال ومختلف أشكال الجريمة المنظمة وتجارة الجنس والبشر والأعضاء والأطفال وتهريب النفط والآثار".
ويشير فيصل إلى أن "شبكة الفساد المالي هي جزء من الدولة العميقة، ولهذا السبب كل من يعمل في قيادات الفساد المالي مثل ما نلاحظ هو محمي وما يقوم به من عمليات خطيرة ترتبط بمصالح لقيادات حزبية".
ويتابع: "لهذا السبب لا نستغرب رفع الحجز عن أملاك نور زهير والسماح له بالسفر، على الرغم من أن البعض قد يبرر السماح له بالسفر للاتصال بالأطراف الأخرى الشريكة بصفقة القرن، لكن لغاية الآن لا توجد تفاصيل واضحة عن سبب رفع الحجز أو منحه حرية بالسفر والتحرك"، مشيرا إلى أن "المطلوب الآن استعادة هذه الأموال المنهوبة".
وكشفت وسائل اعلام محلية في وقت سابق، أن الأموال التي كانت بحوزة نور زهير، داخل العراق تبلغ أكثر من 55 مليون دولار، اشترى بها عقارات في بغداد، لكن بما أنه لم يكمل إجراءات تحويلها باسمه قبل عملية القبض عليه، قام بفتح بيانات بها في التسجيل العقاري مع البائعين فقط، ولم تصل عملية البيع إلى مرحلة التقرير النهائي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟