بقلم: عبد المنعم الأعسم
يقولون إن مستقبل غالبية الدول معروفٌ، أو خاضع لجملة من مستلزمات القوة والحكم الرشيد والاستقرار، باستثناء مستقبل العراق، فقد خرج (يقولون) عن مجسات المعرفة، ونبؤات العارفين، وانتهى إلى لغز، أو إلى احتمالات خارج السيطرة، وقد يصحّ هذا القول بنسبة ما.
المشكلة لدى غالبية المتحدثين عن «مستقبل العراق» انهم يستبعدون العقل في الاسترشاد الى ذلك المستقبل، ويحلّون محله التمنيات، أو التعويل على الحتميات واللاهوت والصدف، ويذهب البعض منهم الى استخدام جرعة مخدرة عنوانها «لا يصح إلا الصحيح» حتى بعد أن يُهزم الصحيح ينتصر الخطأ في أكثر من امتحان، والغريب أن ثمة دعاة احترفوا ترويج بدعة بالية بين جمهرة من ضحايا الخوف والتهديد اليومي بالقول إنه كلما تشتد الأزمة، وتعمّ الأهوال، وتسيل الدماء، وتنتشر المظالم والجثث والمفاسد سيأتي الفرج ويحلّ المستقبل الوضاء.
وفي كل مرة يتبعثر فيها حاضر بلادنا الى وحدات كابوسية يَطرح السؤال نفسه عن آفاق المستقبل، ثم يستنفر أصحاب الشأن والمعنيّون وبعض الكتّاب والمحللين والدعاة وخطباء الجوامع في البحث عن جواب شاف، أو عن دربونة يختبئون فيها من استحقاقات السؤال، أو جملة تقول الشيء ونقيضه، وفي النهاية لا نعرف جواباً لا عن الآفاق، ولا عن المستقبل، في وقت أُختُطف الحاضر من قبل إرادات سياسية مرتدة الى الجاهلية وهوس النهب والأنانيات الفئوية والمناطقية تأجل خلاله مشروع بناء الدولة الجديدة على أنقاض الدكتاتورية، وتراجعت مناسيب الوطنية، والغيرة وسمعة الوظيفة الى ادنى حد.
إن معرفة المستقبل صارت علماً تجاوز التخمينات الى علم قائم على معطيات وبيانات وقراءات صبورة لحركة الحاضر ورافعاته، ومنذ حين انشغل العلماء الذين عنوا في قراءة اتجاهات المستقبل والتنبؤ بأحداثه وأحكامه بوضع قواعد أكاديمية تحول دون تماهي هذا العلم بالخرافة والتنجيم وسوء القصد، وقيل، لو توفرت لنا نصف إمكانيات تجارب الفيزيائيين وأدواتهم في مختبراتهم لتمكنا من تقديم خدمات هائلة للأجيال البشرية في معرفة مستقبلها.
بوجيز الكلام، يمكن القول دون الشعور بالاستعجال، إن ملامح مستقبل العراق ليست واضحة كفاية، في الأقل بالنسبة للمحللين الموضوعيين الذين يتجنبون التمنّيات، لكن الأمر الواضح لهم أن القطب الذي فرض الحاضر السيئ، المأزوم، المنهوب والضائع ينهزم باضطراد، ويعجز، يوماً بعد آخر، عن ليّ عقارب الزمن وإعادة الملايين الى بيوت الطاعة بالرطانة نفسها.. وما أدراك ما الرطانة.
استدراك:
«الشقاء الكامل أن يكون حاضرُنا أفضل من غدنا.. يا لهاويتنا كم هي واسعة».
محمود درويش
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي