- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
موقف السيد السيستاني من سرقة أموال الشعب بعنوان مجهول المالك؟!
بقلم:حسن الهاشمي
اقولها بضرس قاطع لا يجوز التصرف بأموال الدولة إلا من خلال القوانين النافذة التي تضمن توزيع الثروة بشكل عادل بين أفراد الشعب العراقي دون تمييز أحد على أحد، فالإسلام دين عدل وقسط وحق لا يمكن ان يفضّل فئة على أخرى دون وجه حق، والثروات الطبيعية هي ملك للشعب تقسّمه الحكومة في البلدان الاسلامية بشكل عادل كل حسب جهده وكل حسب ما يمتلكه من مؤهلات فنية وعلمية وعضلية، أما كبار السن وأهل الزمانة والبلوى، فإنها تخصص لهم رواتب واعانات بما يحفظ كرامتهم وعيشهم الكريم في المجتمع، والذي عنده تأريخ جهادي فان أجره على الله تعالى، يستفيد من المصالح العامة كما يستفيد بقية أفراد الشعب منها، لا أن يتخذ مال الله دولا، وعباده خولا، ودينه دخلا.
عجبت لمن يدّعي انه سائر على نهج الامام علي عليه السلام، وحياته بعيدة كل البعد عن حياة أمير المؤمنين، بل أنه أقرب حالا ووضعا من حياة معاوية بن أبي سفيان، كفانا ضحكا على الذقون، انكم ايها السياسيون الذين تسكنون القصور الفخمة وتركبون السيارات الفارهة، وتتمتعون بأطيب الأكلات وتسافرون الى أجمل المصائف والبلدان، وتتمتعون بما طاب لكم من القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وتتقلبون بين احضان النساء من البلوكرات والفاشنستات، كفاكم نفاقا وكذبا وتدليسا، كفاكم من ان تلوون عنق الدين لتسخيره خدمة لمصالحكم الحزبية وملذاتكم الشخصية، الفرق شاسع بينكم وبين الدين الاسلامي الحنيف، والهوة تتسع يوما بعد يوم بينكم وبين من تدّعون الانتماء اليه، أين انتم من أمير المؤمنين الذي ينقل التاريخ عنه أن الأحنف بن قيس قال: دخلت على معاوية فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدّموا ذلك اللون، فقدّموا لونا ما أدري ما هو؟ فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر.
قال فبكيت. فقال: ما يبكيك؟ فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاء من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك. فقال: وكيف؟
قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره فقال لي: قم فتعشى مع الحسن والحسين. ثم قام إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه فأخرج منه شعيرا مطحونا ثم ختمه، فقلت، لم أعهدك بخيلا يا أمير المؤمنين، فقال: لم أختمه بخلا، ولكن خفت أن يبسه الحسن أو الحسين بسمن أو إهالة، فقلت:
أحرام هو؟ قال: لا ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم حالا في الاكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشئ، ليراهم الفقير فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكرا وتواضعا. مواقف الشيعة - الأحمدي الميانجي - ج ٣ - ص ١٨٥.
ايها السياسيون المتصدون للعملية السياسية بعيد سقوط الصنم عام 2003م، اذا كنتم فعلا أئمة للحق يجب ان تواسوا الفقراء بعيشكم وملبسكم وبيوتكم، لتكونوا أسوة للفقير والغني، وتكونوا قد تطابق عنوانكم على معنونكم، لا ان يكون عنوانكم أمير المؤمنين، ومعنونكم معاوية بن ابي سفيان، وبذلك تكونوا عرضة لسخط ومقت الله تعالى ومصداقا لقوله: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) الصف: 3.
أما آن الأوان الى ان تنتبهوا الى أنفسكم؟! أما آن الأوان ان يوخزكم ضميركم ووجدانكم ودينكم عما اقترفتموه من سرقات وقتل وظلم وفساد وعمالة بحق هذا الشعب المسكين؟! أما ترون المرض والموت والحوادث تسحق أحلامكم التي بنيتموها على جماجم الأبرياء وتطلعات اليتامى وآهات الأرامل والفقراء والمساكين؟! متى تتعضون بمقولة امير المؤمنين عليه السّلام حينما قال: «إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلّا الجنّة فلا تبيعوها إلّا بها» بحار الأنوار للمجلسي: 78 / 13 / 71.
الى متى تنفقون رأس مال عمركم و حياتكم مقابل الحصول علی فتات الدنيا الفانية اذا ما قارناه بنعيم الآخرة الباقية؟!
الى متى تنفقون كل رأس المال هذا من أجل الوصول إلی منصب أو مقام أو لذة أو هوى دون ان تقيموا للحق والعدل وزنا وقيمة ودثارا؟!
متى ترعوي ايها السياسي الغافل أنه ليس أي واحد من اغراءات الدنيا - دون شك - يمكن أن يكون ثمنا لتلك الثروة العظيمة وهي ثروة العمر، بل ان ثمنها الوحيد هو رضا اللّه سبحانه وخدمة العباد والبلاد؟!
من الأكاذيب التي يصدرها السفلة الذين يسخّرون الشرع المقدس لقضاياهم الحزبية والشخصية، وكذلك أولئك الذين من لا حريجة له في الدين، ولا له وَرَعٌ يحجزه عن عصيان خالقه بتشويه سمعة المؤمنين، والإساءة للعلماء المتقين ما يتم ترويجه من أن - المراجع عموما - قد حكموا على الأموال العامة بأنها مجهولة المالك وأجازوا بذلك سرقتها من الشعب؟! ولا يخفى على مُطلع أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، ولا يمكن أن يصمد أمام ما في المصادر المعتبرة؛ فإن فتاوى العلماء الأعلام واضحة صريحة في حرمة التصرف بالمال المجهول مالكه.
ويمكن الوقوف على ذلك بسهولة ويسر، عن طريق الاطلاع على فتاوى السيد السيستاني ـ دام ظله - وغيره من العلماء الأعلام في موضوع (مجهول المالك) وموضوع (أموال الدولة) وقبل طرح المسائل ذات الشأن لابد من معرفة الموضوع وحدوده، وكيف تم ايهام السذج من الناس بان العلماء يبيحون التصرف بأموال الدولة بذريعة انها مجهولة المالك؟! والحال ان السيد السيستاني يؤكد ان (مجهول المالك) مصطلح فقهي يعبّر به عن الأموال الخارجية التي يكون لها مالك ولكن لا سبيل الى تشخيصه، وان الأموال التي بحوزة الحكومة في الدول الاسلامية لا ينطبق عليها مجهول المالك، من المعادن المستخرجة من الأرض كالنفط والغاز والكبريت وغيرها، وما تشتريه به من المصانع والبضائع والأدوية وما تشيده به من المستشفيات والمدارس والجامعات وسائر مؤسسات الدولة، ومنها: ما تحصلّه الحكومة من معونات ومساعدات وقروض خارجية أو داخلية لموارد وأبواب معينة لصالح الشعب، وغير ذلك مما تقتضيه مصلحة الشعب.
أما ما تأخذه الحكومة من أموال المواطنين بعناوين مختلفة من مصادرات وضرائب ورسوم وغيرها وفقاً للقانون ولكن لا يطابق الشرع الحنيف، ويلحق بهذا القسم ما تستورده الحكومة أو تصنّعه من أسلحة غير دفاعية أو الأدوات التي تستخدم في قمع المواطنين وسلبهم حقوقهم، وكل ما لا ينفعهم بل يضرّ بهم.
هذا القسم هو الذي يعدّ شرعاً من مجهول المالك في غالب الحالات، ولكن حيث يختلط بالأموال أعلاه في المصارف والدوائر الحكومية وغيرها ولا سبيل الى تمييز بعضها عن بعض يطلق على الجميع (مجهول المالك) وفتوى سماحة السيد (دام ظله) واضحة صريحة بعدم جواز التصرف في شيء مما هو من أموال الدولة خارج نطاق القوانين النافذة في حال من الأحوال.
لعل الذين سرقوا توقيفات الأمانات الضريبية في سرقة القرن وغيرها الكثير الكثير من السرقات طيلة اكثر من عشرين عاما، أوهموا انفسهم بان هذه الضرائب لا تطابق الشرع، فيجوز لهم التصرف بها بعنوان مجهول المالك، فجاءهم الرد في منهاج الصالحين للسيد السيستاني - الجزء الثاني ـ (مسألة 765)-: «المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً» بل حتى المال المجهول المالك الضائع فان وقع بيد اي شخص فحكمه يكون حكم اللقطة، يبقى مدة في حوزته يسأل عن صاحبه، فان يئس التعرف عليه تصدق به على الفقراء والمساكين بنية صاحب المال.
وان المرجعية الدينية العليا دائما وأبدا كانت ولا تزال انها توجه الجميع بالالتزام بالطرق القانونية في توزيع الثروة بما يحفظ العدالة والرفاه وتقديم الخدمات لجميع أفراد المجتمع، جاء في موقعه الشريف - جوابا عمن سأل أن يأذنوا لهم بالانتفاع والتصرف بأموال الحكومة المجهولة المالك - «لا نأذن بالتصرف في اموال الحكومة في الدول الاسلامية بغير الطرق القانونية بأي نحو من الانحاء».
ولكي يسحب البساط من تحت أولئك الذين يموهون سرقاتهم بتخصيص جزء منها في المشاريع الخيرية وتقديم الطعام في الزيارة الأربعينية وغيرها، جاء فيه أيضا - جوابا عمن سأل الإذن بصرف مجهول المالك على المشاريع الخيرية كبناء مستشفى-: «مجهول المالك انما يتصدق به على الفقراء ولا يصرف على المشاريع الخيرية».
فهذه المسائل صريحة في أن مجهول المالك لا يجوز التصرف فيه، حتى في صرفه على المشاريع الخيرية، فكيف يمكن لـ (عاقل) أن يدعي مع هذا: أن المراجع الكرام قد أذنوا بسرقتها؟ (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل: 105.
ثم إن الذي يستقصي فتاوى السيد (دام ظله) يجد أن الأمر لا يقف على تحريم سرقة أموال الدولة (مجهول المالك) والتصرف المباشر بها فحسب، بل يتعدى إلى أكثرَ من ذلك، وكل هذا تجده في هذه الاستفتاءات المباركة من موقعه الشريف:
1- السؤال: اشترى والدي سيارة مسروقة تابعة للجيش العراقي السابق... الجواب: لا يجوز، ويجب ردّها إلى الجهة المسروقة منها.
2- السؤال: ما حكم استعمال الممتلكات العامّة مثل الهاتف وجهاز الكمبيوتر والإنترنت والقرطاسيّة والأجهزة الأخرى لأمور خاصّة والتي هي متاحة للموظف لتأدية عمله؟ الجواب: لا يجوز، نعم إذا أذن المسؤول المخوّل بذلك فلا مانع.
3- السؤال: يقوم بعض أئمّة المساجد ببيع ما تجمّع لديهم من المسروقات من الدوائر الحكوميّة ويدّعون أنّ لديهم الإجازة في ذلك من قِبَل الحوزة العلميّة، فهل أذن سماحة السيد في بيعها؟ الجواب: لم يأذن مدّ ظله في ذلك، بل لا بدّ من حفظ ما يتسنّى حفظه وإرجاعه إلى الجهة ذات الصلاحيّة في الوقت المناسب.
4- السؤال: هل يجوز السكن في الثكنات أو الشقق العسكرية الموجودة في معسكر الرشيد أو غيره من الأماكن العامّة؟ وما هو حكم الصلاة والصوم فيها؟ الجواب: لا يجوز السكن فيها كما لا تصح الصلاة فيها أيضاً.
5- السؤال: شخص أوصل التيار الكهربائي إلى منزله من عمود الكهرباء الواقع بجانبه من دون استحصال الموافقات الرسمية، فما حكمه؟ الجواب: لا يجوز وهو ضامن للقيمة.
ولو رميت بطرفك أبعد من هذا، لوجدت أن نظير هذه الأحكام منه (دام ظله)، لم تقتصر على الدول المسلمة بل تعدتها إلى الدول الكافرة أيضا؛ حيث جاء في أحد الاستفتاءات: «السؤال: ما حكم سرقة أموال غير المسلمين العامّة والخاصّة وإتلافها؟ الجواب: يحرم على المسلم خيانة من يأتمنه على مالٍ أو عملٍ حتّى لو كان كافراً، ويجب على المسلم المحافظة على الأمانة وأدائها كاملةً، فمن يعمل في محل مبيعات أو محاسب لا يجوز له أن يخون صاحب العمل ويأخذ شيئاً ممّا تحت يده.
لا تجوز السرقة من أموال غير المسلمين الخاصّة والعامّة ولا يجوز إتلافها حتّى وإن كانت تلك السرقة وذلك الإتلاف لا يُسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين فرضاً ولكنّها عدّت غدراً ونقضاً للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول إلى بلادهم أو طلب رخصة الإقامة فيها، وذلك لحرمة الغدر ونقض الأمان بالنسبة إلى كلّ أحد مهما كان دينه وجنسه ومعتقده».
والخلاصة ان الله تعالى لا يطاع من حيث يعصى، وانما يتقبل الأعمال الخيرة من المتقين خاصة، أما أولئك الذين يدسّون السم بالعسل، ويحاولون ايهام الناس بأنهم مصلحون، وهم منغمسون من أعلى جباههم الى أخمص أقدامهم بالفساد والتطاول على بيت المال بحجج واهية وتبريرات سخيفة، عليهم الرجوع الى الدين الحق وارجاع الأموال المنهوبة الى الشعب المسكين، للبدء بعملية التنمية المستدامة التي تتوفر مؤهلاتها في عراق الخير، وانه بحاجة الى ايد أمينة تحافظ على الثروات من التبديد والسرقة، وتنهض بالبلد من جديد ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وحضاريا، وليعلم أولئك الذي تسوّل لهم أنفسهم بالتطاول على المال العام بذرائع مختلفة ان الموت لهم بالمرصاد، حينئذ يواجهون مصيرهم المشؤوم في قوله تعالى: (يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) التوبة: 35.