عباس الصباغ
ظاهرة النزاعات العشائرية وما يترتب عنها من تداعيات خطيرة على الامن الاقتصادي والاستثماري والمجتمعي قد بلغت حدودا تجاوزت جميع الخطوط الحمر رغم ان الدستور العراقي الدائم وضع النقاط على الحروف فقد اشارت المادة [(43 ثانياً:ـ تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان.].
اسباب العنف العشائري كثيرة منها الشخصية او المجتمعية او المناطقية او بسبب تصادم الافراد فيما بينهم لأسباب شتى قد تكون في بعض الاحيان اسبابا بسيطة لاتستدعي إحداث العنف ومايتركه من اضرار على امن المجتمع والمواطنين ومايرافقه من حالات تسبب الرعب والهلع في نفوس الابرياء او قد تطال اناسا قد لاتكون علاقة لهم بأطراف الخلاف فيدفعون ثمن اخطاء غيرهم، وظاهرة العنف العشائري هي ظاهرة قديمة ولم تكن طارئة ابدا على الواقع العراقي ابتداء من تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الان، ولكن المستجدات التي طرأت على المشهد السيا / سيوسولوجي / الاقتصادي العراقي استوجبت الوقوف عند اسبابها وماتتركه من نتائج سلبية على مجمل فعاليات هذا الواقع، وايضا وضع حلول ناجعة ومعالجات حازمة لها.
وقد كانت شحة المياه التي بدأت تلقي بظلالها القاتمة مؤخرا على المناطق الزراعية في محافظات الوسط والجنوب سببا لاندلاع شرارة الكثير من النزاعات العشائرية وفي المناطق الزراعية منها ادت الى حدوث خسائر مؤسفة في الارواح والممتلكات، مع تبادل اتهامات بالتجاوز على الحصص المائية بين الجميع فحدثت النزاعات المؤسفة مع بقاء جوهر المشكلة دون حل او بحل وقتي او جزئي.
فسيوسولوجيا ان الخلافات العشائرية تؤثر تأثيرا مباشرا على السلم الاهلي والمجتمعي وتُحدث شروخا بينية في العقد الاجتماعي ليس بالسهولة ان تندمل كونها تورث البغضاء بين افراد المجتمع الذين يتناسلون على كره بعضهم لبعض لسنين او لعقود طوال، وتخلق مجتمعا متنافرا وغير منسجم مع نفسه او غير متراص او غير آمن بالمرة، وعلى المستوى الحكومي تسبب تلك النزاعات تهديدا مباشرا وتحديا اخر يضاف الى التحديات الارهابية التي تواجهها السلطات التنفيذية والامنية التي ستنشغل عن معالجة بقية الملفات الامنية التي تعرّض الامن القومي للبلد الى الخطر، وتتفرّغ للسيطرة على الاثار التي تتركها النزاعات العشائرية المحلية وتحجيمها قدر الممكن خشية من انتقالها الى مناطق اخرى لاسيما وان الكثير منها تُستخدم فيها اسلحة فتاكة ومن جميع الانواع، مما يعرّض الامن الوطني والمجتمعي للخطر. ومن الطبيعي ان تكون هكذا اجواء مشحونة بالعنف والعنف المتقابل، والتي تعرض امن المواطنين وسلامتهم الى خطر مميت فإنها ستكون طاردة لعمليات الاستثمار الخارجي منها او الداخلي واستقطاب رؤوس الاموال الداخلة الى تلك المناطق وهي اموال وخبرات كان يُقدر لها ان ترفع من المستوى المعيشي لمواطنيها وتقلل من نسب الفقر فيها، او تشغّل الايدي العاملة التي تعاني من بطالة مزمنة والتي تسبب في زيادة معاناة سكان تلك المناطق لان الاستثمارات وخاصة في المشاريع الصناعية او الاستخراجية كالنفط هي افضل وسيلة متبعة لامتصاص البطالة بأنواعها وتشغيل الايدي العاملة الوفيرة فمازالت الاشتباكات العنيفة بين العشائر تهدد المشاريع الاستثمارية للمنشآت النفطية في المنطقة الرئيسة المنتجة للخام في جنوب العراق، وتسبب بنفور الشركات والمستثمرين، خاصة العرب والأجانب، من الاستثمار في السوق العراقية، وخاصة في محافظات الوسط والجنوب التي تعد أسواقا استثمارية هامة لا سيما بعد مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت كونها ستكون جالبة للمشاريع التي تنهض بالواقع الخدمي فضلا عن المعيشي لسكان هذه المناطق، وبالتالي ستخلق الاجواء الاستثمارية انتعاشا اقتصاديا وجوا اجتماعيا مريحا يتسنى للناس فيه ان يلتفتوا الى بناء حاضر مزدهر وينتبهوا الى تأسيس مستقبل مشرق ومعافى من رواسب التصدعات التي تسببها الخلافات المتوارثة التي قد يكون حلها ناجزا لو استخدمت الحكمة او تدخل العقلاء في حلها بدلا من تجييش المواطنين وتحشيدهم في نزاعات لاطائل من ورائها ولاتجلب سوى لهم التصدع المجتمعي والحرمان الاقتصادي والقلق الحكومي الذي يترجم دائما على شكل عمليات فرض للقانون مستمرة.
أقرأ ايضاً
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- معركة طوفان الأقصى.. التداعيات المتسارعة والمواقف الأمريكية الواضحة !
- تداعيات قرار بعض الدول المنتجة للنفط بالتخفيض