- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل باتت السعودية على شفير الانهيار بسبب ديونها!؟
حجم النص
بقلم:حيدر مرتضى في الآونة الاخيرة تداولت بعض الفضائيات أن (الدين العام السعودي) قد تصاعد خلال سنة 2016 ليبلغ (274) مليار ريال. أولاً وقبل كل شيء، من الجيد أن نبدأ بفهم مدى قوة الدول من خلال تحليل قوة اقتصادياتها ووضعها المالي، فليس فقط بالإمكانات العسكرية تنتصر الدول! فمن البديهي إن الاقتصاد الهش، العاجز عن تموين الدول وتمويلها هو السبب الأساس في خسارة الدول لحروبها.. والآن لنعود لتحليل الدين السعودي كمثال لنفهم كيف نحلل الديون العامة للدول، فعلى الرغم من صحة الرقم أعلاه، إلا إنه لا يعطينا فهم صحيح لطبيعة الدين السعودي! ويمكن القول إن هذا جزء من التضليل الإعلامي – ربما غير المقصود – الذي تمارسه الفضائيات التي تبحث عن أخبار مثيرة تجذب الشارع العراقي، الذي يريد أن يسمع خبر: إن السعودية بدأت بالانهيار ماليا... إن المبالغة في (تقييم قوة) أو (تقييم ضعف) كيان ما، سيؤدي إلى خطأ في حسابات ومعادلات القوة ويؤدي بالنتيجة إلى خطأ بالاستعدادات اللازمة! ففي الوقت الذي نبدأ بالاعتقاد أن النظام السعودي بات على شفير الانهيار، نكتشف بعد فترة إن حساباتنا كانت خاطئة بناء على تقييمات خاطئة.. والآن لكي نفهم مسألة ديون الدول والدين العام لأي دولة، من المهم أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة "ذكية" لنتوصل إلى تقييمات أكثر دقة.. وليكن مثالنا الدين السعودي البالغ (274 مليار ريال) لسنة 2016. السؤال الاول: كم هي نسبة الدين من إجمالي الناتج المحلي (GDP)، حسناً، تبلغ نسبة الدين الياباني 230% من إجمالي الناتج المحلي، بينما يبلغ الدين السعودي (5%) من إجمالي الناتج المحلي، وهذا يعني أن السعودية تأتي في آخر قائمة الدول المديونة.. ولتبيان معنى نسبة (الدين / إجمالي الناتج المحلي).. تخيل إن الشخص (أ) دخله الشهري 4 ملايين دينار وأضطر أن يستدين 500 ألف دينار، إذن نسبة دينه هي (12.5%) من راتبه. بينما الشخص (ب) دخلهُ الشهري 500 ألف دينار، واضطر أن يستدين 250 ألف دينار، أي نسبة دينه هي (50%) من دخله. الآن أيهما استدان أكثر؟ وأيهما يشكل الدين عبئاً أكبر عليه؟! هناك فرق مهم جداً. فعلى الرغم إن (أ) استدان مبلغ أكبر، إلا أن (ب) يقع تحت عبء أكبر! السؤال الذكي الثاني: هل تم أقتراض هذا الدين بالعملة المحلية؟ أم بالعملة الصعبة؟ يبلغ الدين السعودي (274 مليار "ريال"، وهذه النقطة مهمة جداً، فعندما تقترض حكومة ما أموالاً بعملتها المحلية (الريال) سيكون سداد الدين أسهل، فكل ما على الحكومة فعله، هو فرض المزيد من الضرائب وأستحصال الريال لسداد الديون، أما لو كان القروض بـ (الدولار)، فعبء السداد سيكون أكبر، لأن النظام السعودي سيضطر لشراء (الدولار) مقابل أعطاء (الريال) وهذا سيؤدي بطريقة ما إلى أنخفاض قيمة (الريال). لذا عندما نجد أن هذا الدين بالعملة المحلية للبلد، فهذا يخفف من أهمية هذا الدين.. ثالثاً: هل تمتلك الحكومة مصدراً للدخل بالعملة الصعبة؟ بصورة عامة الدول النفطية التي تصدر البترول، تقبض عائداته بالدولار، وهذه نقطة بالغة الاهمية، فيما لو كانت ديونها بالعملة الصعبة (الدولار)، لأنه حين السداد لن تضطر لشراء الدولار لتسديد ديونها، بل ستحصل على الدولار من بيع البترول، وتستطيع سداد ديونها ببساطة، دون ان تنخفض قيمة عملته (الريال).. طبعاً كلما تم طرح المزيد من الأسئلة، كلما اتضحت طبيعة الديون أكثر فأكثر، من هذه الاسئلة مثلاً: هل هذه القروض ذهبت إلى مشاريع أستثمارية ؟ أم مصاريف أستهلاكية؟ فالحكومة اليابانية على سبيل المثال تخبرنا أن سبب مديونيتها العالية بسبب المعونات التقاعدية الكبيرة التي تدفعها للمتقاعدين.. وهذا ما يجعل من هذه الديون المتراكمة على الحكومة اليابانية عبئاً حقيقياً، بينما تخيل أن النظام السعودي يقترض أمولاً لبناء مصنع سيارات، وهذا يجعل هذه الديون مفيدة، لأنها في المستقبل ستشكل مورداً مالياً للدولة.. هل كلفة هذا الديون عالية أم منخفضة؟ تحصل على الديون بفوائد، وعندما يكون اقتصاد دولة ضعيف وهش، ستحصل على القروض، ولكن بفوائد عالية، تصل احياناً إلى 30 أو 40% من الدين.. ولكن عندما تمتلك أقتصاداً قوياً حينها يمكنهم ان يعطونك دينا بفوائد منخفضة.. هذه أسئلة ذكية، إذا استطاع ناقل الخبر أن يُجيبك عنها، ستستطيع حينها أن ترسم صورة أوضح عن أي دين كان، الدين العراقي، السعودي، الياباني، الأمريكي أو غيره. لكي نتوصل إلى نتائج أدق في تقييماتنا لأقتصاديات الدول.