- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جموح النزعة السياسية في جائزة نوبل
الدكتور وليد سعيد البياتي
يعتمد التقييم في العرف العلمي على طبيعة الانجاز وقدرته على تحقيق نقلة نوعية في الاتجاهات المعرفية بما يتناسب وحاجات الانسانية لها، فمنح الدرجات العلمية لايقف عند حد التقييم العلمي وكفاءة البحث فقط ولكن لانه قادر على صناعة خطوة باتجاه المستقبل بعيدا عن التنازعات السياسية والصراعات حول الكراسي.
غير ان التدخل السياسي الغربي والصياغات التي وضعتها الحركات الصهيونية في التعامل مع الاحداث أفرز في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية ظهور اتجاهات جامحة في استغلال الجوائز العلمية والادبية والفنية على السواء لتقديم شخصيات تتحرك في المسارات التي وضعتها لها المخابرات الغربية والاسرائيلية او على الاقل ضمان ولاء الافراد والدول الممنوحة لها هذه الجوائز لتبقى في اطار الدول التي رشحتها او قبلت ترشيحها لنيل هذه الجائزة او تلك، مما ينفي الصفة العلمية او الانسانية عن الجوائز الممنوحة بل ويحط من قدرها حيث جاءت خارج المعايير التي انشأت من أجلها ويقدما في اطار سياسي بحت.
التدخل اليهودي وظهور النزعة السياسية:
يمكن اعتبار العناصر اليهودية الاكثر ظهورا في الجوانب العلمية بسبب التسهيلات التي يحصل عليها العلماء اليهود في الجامعات الغربية وهو مالمسناه هنا في العديد من الجامعات الاوربية مما ادى الى ظهور الكثير من الاسماء اليهودية في ترشيحات جوائز نوبل في العلوم والاداب والسلام وغيرها، غير ان منح الجائزة للسلام ولكونها لا تمثل انجازا علميا فقد فتحت لغير اليهود بشكل اوسع، بالتأكيد ليس بشكل عشوائي بل من خلال انتقائية تتفق والمفهوم الغربي للسلام، ولم تمنح إلا للذين ينفذون هذه المخططات سواء عن قصد او من خلال توجيه ايحائي بذلك.
ففي عام (1973م) منحت جائزة نوبل مشتركة لهنري كسنجر (وزير الخارجية الامريكي الاسبق) و (لي دوك تو) من فيتنام وقد رفضها. عام (1978م) منحت لكل من محمد انور السادات (الرئيس المصري الاسبق) ومناحيم بيغن (رئيس وزراء العدو) بعد توقيعهما اتفاقية السلام المزعومة، أما عام (1994م) فقد منحت لكل من ياسر عرفات ومناحيم بيغن وشيمون بيريز، على اثر اتفاقيات السلام بين السلطة الفلسطينية وحكومة اسرائيل.
من الملاحظ انه لا تخفى هنا الملامح السياسية الواضحة في منح الجوائز لهؤلاء، كما يتضح من الاسلوب الذي رشحوا من خلاله والظروف التاريخية والزمانية التي منحوا فيها، فكل من السادات وعرفات كان قد مثل الاتجاه الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية وحاول تقديم نفسه باعتباره الشخص الوحيد المسؤول عن مستقبلها وهو ماسعت اليه كل من الولايات المتحدة واسرائيل وقتها لتمرير الاتفاقية وعدم اعلان الملاحق السرية الكثيرة التي شكلت المظهر الحقيقي لها.
كما اننا لا ننكر ان الجائزة منحت لشخصيات انسانية كبيرة استحقتها عن جدارة مثل (الام تيريز)ا، والاب (دزموند توتو) وبعض المنظمات الدولية والانسانية التي كان لها دور حقيقي في صناعة السلام في بعض المناطق الساخنة.
ولكن ان يمنح باراك اوباما مثلا جائزة نوبل بعد فترة وجيزة من توليه منصب الرئاسة ودون ان تحقق مشاريعه سلاما واقعيا على الساحة الدولية فان ذلك الفعل سيطرح الكثير من التساؤلات التي لا تتوقف.
لماذا توكل كرمان.. لماذا الان؟:
اعتماداً على منهجنا التاريخي في تحقيق الحوادث وتبيان اسباب وقوعها فكنا دائما نطرح تساؤلاً عقلانياً يقول (لماذا الان؟؟). فان محاولة فهم اي حدث أو واقعة لايتم الا من خلال فهم الظروف الموضوعية والتكوينية له. ولعل تأثير عامل الزمن وتوقيت وقوع الحدث اضافة الى عناصر المكان والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية كل ذلك سيمثل معيارا في فهم اسباب ظهور الحدث.
أما توكل كرمان فالذي وضعها في الساحة وامام الاعلام الغربي ابتداء هو دعوتها الى الحفاظ على حقوق اليهود في اليمن ومطالبتها لمنحهم مقاعد في البرلمان اليمني، وايضا دعوتها الى ان تقوم الولايات المتحدة والناتو بدور فاعل في اليمن لازالة الطاغية، كما فعلوا في العراق وحاليا في ليبيا، فتوكل كرمان ناشطة في حزب الاصلاح اليمني (الاخوان المسلمين) وهو كان قد اتبع اسلوبا تكفيريا ضد جماعات الحراك الجنوبي سنة (1994م) ومع ذلك نجد انها منحت الجائزة بشكل يعكس تناميا في العلاقة بين حركة الاخوان والاتجاه الامريكي في عملية التغيير.
لا شك ان صناعة السلام هي نتاج لعمل تراكمي تتوفر بين يديه خبرات علمية وتجارب يومية وتفاعلات تكون نتائجها بينة وقادرة على احداث التغيير، اذ لم تكن الغاية من منح جائزة نوبل للسلام ان تمنح اعتمادا على الامنيات او لمجرد السعي لتحقيق حلم ما، فالغاية كانت ان تمنح بعد ان يتحقق السلام وتظهر نتائجة وليس لمجرد التخطيط له او السعي اليه، فقد لاتنجح الخطط ولايتحقق السعي، فهي اشبه بالمبدأ العلمي الذي يعتمد على النتائج، فمنح جائزة نوبل للفيزيا او الكيمياء يعتمد على تشكيل نظريات ومعادلات علمية تحقق نتائج محددة وواضحة تعتبر مفصلا في الاتجاهات العلمية.
ان ما تقوم به توكل كرمان قد قام به غيرها في ظروف زمانية ومكانية وسياسية اكثر قسوة وعنفاً غير ان اؤلئك رفضوا ان يكونوا مطية للغرب وسياساتهم المنحازة لاسرائيل في كل مراحلها.
فمثلا لقد منحت جائزة نوبل للاداب لنجيب محفوظ (1988م) كنوع من التعويض لمصر لمواقفها المساندة للولايات خلال الحرب العراقية – الايرانية ولمجمل علاقاتها في قضية اتفاقية السلام. في حين مثلا لم تمنح هذه الجائزة لشخصيات كبيرة اكثر تأثيرا في الساحة الادبية والفكية مثل الشعراء، محمد مهدي الجواهري، عبد الوهاب البياتي، أودونيس، وغيرهم، لم تمنح مثلا لعلماء مثل طه باقر، مصطفى جواد، محمد بهجت الاثري، أو مئات الالوف من العلماء والادباء والمفكرين الذين حلقت سمعتهم العلمية في علياء الفكر والادب والفن.
من هنا نفهم المزيد في توقيت منح جائزة نوبل للسلام لتوكل كرمان، فهذه الفتاة قد رضيت ان تكون جزأً من المخطط الغربي في بلدها بل هي دعت بنفسها لان يقوم الغرب بعمل عدواني على بلدها كما فعل ذلك من قبل ساستنا الحاكمين في العراق حين دعوا الغرب ليضرب وطنهم تحت حجج اسقاط الطاغية. وكما فعل ثوار ليبيا، ولكن اي منهم لن يحصل على نوبل مهما تصاغر امام الجندي الامريكي.
المملكة المتحدة – لندن
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية
- العملية السياسية تستعيد عافيتها !!