- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
بقلم: علي الراضي الخفاجي
لايتساوى استيعاب الإنسان للمعاني والقيم في مراحل حياته، ولعلَّ مرحلة الشباب تكونُ أكثر استعداداً لاستيعاب التعاليم الدينية، فتكثر مناقشات الشاب وأسئلته حول الدين والحياة، وحينئذ لابد له من مُوجِّه يرعاه ويلبي طموحاته ويفهم أفكاره، فالشباب أوعية مُهيَّئة وأرض خصبة لزرع قيم الخير والحب والجمال، ومايتم غرسه في نفوسهم يترك آثاره في شخصياتهم وسلوكياتهم.
ففي شأن كتاب الله تعالى ومايحمله من محتوى معنوي كبير وجاذبية تفوقُ الوصف، ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:(منْ قرأ القرآن وهو شابٌّ مؤمنٌ اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزَّ وجلَّ مع السفرة الكرام البررة، وكان حجيزاً عنه يوم القيامة).الأصول من الكافي، 2: 634.
وهي حقيقة تترك آثارها على كيان الإنسان وتأخذ امتدادها في مسيرة حياته، حينما تصبح تلك القلوب أوعية للقرآن، وبيئة صالحة لاستقبال الهدى والنور للنجاة من العذاب والشقاء، ويقول عليه السلام:(لايُعذِّبُ اللهُ قلباً وعى القرآن).الوسائل، 6: 825.
فحينما يقرأ المؤمن القرآن الكريم ويتدبر آياته ينال منه بركات لاانقطاع لها، تعود عليه بالاستقامة في الممارسات والعلاقات، وفي الرؤية الصائبة لدوره في الحياة، ومايجب عليه من تخطيط لمستقبله، قال تعالى((إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقومُ ويبشرُ المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجراً كبيراً)). الإسراء/9، ويقول تعالى((كتابٌ أنزلناهُ إليك مباركٌ ليدَّبَّروا آياته وليتذكَّر أولوا الألباب)).ص/29، ومعنى مبارك، أي:أنَّ عطاءه يتجدد ولاينقطع، فهو لايخضع لزمان ومكان محدودين، بل إنَّ بركاته تتنامى وتتصاعد، وهو يملأ كل الفراغات في حياة الإنسان، وينفتح لكلِّ جيل ومرحلة بما يناسبها.
ولايقوم الدِّين إلا بهمَّة شباب قرآني مُتميِّز، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وآله أسوةٌ حسنةٌ، فقد كان خُلُقهُ القرآن، حيث استوعب القرآن في حسِّه وعقله ورؤيته وحركته.
وعلى الشاب أن يكون حُراً لاتقيده حبائل الشيطان أو الأفكار الضالَّة والمضلَّة، أو الاعتبارات الحزبية والقومية والفئوية، فلا يخضع لما يسوِّلهُ لهُ شياطين الإنس أنَّ الدِّين أفيونٌ وتحجُّرٌ، ويدفعونه لممارسة حريته في أجواء الانحلال والانفلات والابتذال، بل يكون عبداً لله سبحانه وتعالى، مؤمناً برسله وأنبيائه عليهم السلام؛ لما يتمتعون به من عصمة وعبقرية، وإلى العلماء الحكماء لما يتمتعون به من حكمة وتسديد، وهم يأخذون بيده إلى برِّ الأمان وإلى مايرتقي به في مصاف الكمال، ويسعده في حياته، ويمنحه القوة لتحمُّل النوائب والمصاعب، يقول الإمام الباقر عليه السلام:(الكمالُ كلُّ الكمال التفقُّهُ في الدِّين، والصبر على النائبة، وتقدير المعيشة).الأصول من الكافي، 1: 22.
وأنْ يعتقد الشبابُّ أنَّ الإيمان بالله هو أعظم القيم، حتى يذوقوا حلاوته حينما تتبدل -عندهم- السيئات حسنات بشكل عملي، ويتفرغوا للأهداف الكبرى، ولا يضيعوا وقتهم سُدى.
وأنْ لايُحوِّلوا في نومهم الليل إلى نهار أو النهار إلى ليل فيحرموا من نعم الله سبحانه وتعالى التي أودعها فيهما، وهو القائل((ومنْ آياته منامُكُم بالليل والنهار وابتغاؤُكم من فضله))الروم/23.
وليعلموا أنَّ نوم النهار المراد في الآية لايعني استبداله بنوم الليل، بل بمقدار مايأخذه الإنسان من قسط يُعيدُ فيه نشاطه الذهني كنوم القيلولة ليستأنف بعده بقية النهار ويبتغي من فضل الله تعالى ويؤدي ما عليه من وظائف.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:(النوم من أول النهار خُرقٌ، والقائلةُ نعمةٌ، والنومُ بعد العصر حُمقٌ، والنومُ بين العشائين يحرمٌ الرزق).مكارم الأخلاق، ص/335، والخُرقُ:الجهل، والحُمقُ: قلة العقل ونقصانه.
وأنْ يعرف الشباب أنَّ الصلاة معراجٌ لنيل الكمال الروحي، وليست طقساً يُؤدَّى فقط، قال النبي صلى الله عليه وآله:(لاصلاة لمنْ لمْ يُطعِ الصلاة، وطاعة الصلاة أنْ تنهى عن الفحشاء والمنكر).بحار الأنوار، 79/134.
وليعلم الشباب أنَّ كثرة التلاوة نظراً فيها استمتاع روحي لايضاهي مايقضونه من ساعات كثيرة فوق حاجاتهم وهم ينظرون إلى شاشة الحاسوب أو الجوَّال، فقد ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام:(منْ قرأ القرآن في المصحف مُتِّعَ ببصره). الأصول من الكافي، 2: 639.
فاستخدام حاسة البصر في تلاوة القرآن رياضةٌ للعين، فضلاً عن رياضة اللسان، وما يوجد من ترابط سمعي وبصري، يجعل القرآن أكثر تأثيراً في الروح.
وينبغي للشباب أنْ يغضُّوا من أبصارهم، ففيه تعود الروح إلى معراجها والقلب إلى عرشه لاتتقاسمه الحسرة والندامة، يقول صلى الله عليه وآله:(غضُّ الطرْف عن محارم الله أفضلُ العبادة). غرر الحكم، ص/474.
وهذه الطاعة قد تصل بالإنسان إلى كشف الحُجُب برؤية قلبية لاتشتبه بالخيالات والصور، وأنْ يحرصوا على أوقاتهم، فهي كالسَّحاب إذا مرَّ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام:(شرُّ ماشَغِلَ به المرءُ وقتهُ الفُضُولُ). ميزان الحكمة، 3: 2114.
ففي الدنيا يعمل الجميع، ولكن تتفاوت النتائج فيما بينهم، فالناجحون يعملون الأشياء حسب أهميتها، والفاشلون قد ينشغلون عن الأهمِّ بالمُهمِّ، وعن الممتاز بالعادي، فيسعدُ إنسانٌ ويشقى آخر.
أقرأ ايضاً
- الإجازات القرآنية ثقافة أم إلزام؟
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- صمت الراعي يسكت الغربان أيمن حسين أنموذجاً