يعلق العديد من الخبراء الاقتصاديين آمالا كبيرة على ميناء الفاو الكبير وطريق التنمية الذي يربط العراق بأوروبا، ويؤكدون أن العائدات التي سيحققها المشروع للعراق لا تقتصر فقط على رسوم نقل البضائع، بل إنه سيحيي العديد من الصناعات ويؤسس لقطاعات مختلفة تجارية وصناعية وزراعية، وذلك بالتزامن مع بحث رئيس الحكومة لطريق التنمية مع شركات تركية، غير أن آخرين يرون بأن الحكومة لم تحقق تقدما بخطوات تنفيذية على أرض الواقع، محذرين في الوقت نفسه من أن فشل المشروع سيؤدي لخسارة ميناء الفاو، حصصا سوقية من التجارة الدولية.
ويقول الخبير الاقتصادي قصي صفوان، إن "عملية إكمال ميناء الفاو ستدخل حيز التنفيذ في منتصف العام 2025، وبالتالي سترتفع قدرة العراق التصديرية للنفط إلى 10 ملايين برميل يوميا مع اكتمال المشاريع النفطية وكذلك موضوع تصدير الغاز واستيراده".
ويضيف صفوان، أن "عملية وجود موانئ أخرى على الخليج وخاصة في الإمارات وعمان والبحرين والكويت، ستكون مكملا لتشغيل طريق التنمية، بالإضافة إلى أن شريان التجارة العالمية سيتبدل، خاصة بعد المشاكل الموجودة في البحر الأحمر وإمكانية استمرار هذا الصراع لفترات طويلة، فعملية تغيير بوصلة التجارة العالمية بين آسيا والاتحاد الأوروبي ستكون من خلال العراق بالتأكيد".
ويشير إلى أن "وجود معابر حدودية على مستوى دول المنطقة وقطارات وإمكانية أن يكون هناك أيضا ربط مع منظومة الخليج من حيث نقل الأفراد أولا والسلع ثانيا ستعزز الاستثمارات في طريق التنمية".
وبشأن تركيا، يؤكد الخبير الاقتصادي، أن "علاقة العراق بتركيا استراتيجية لأن المنطقة المستهدفة للربط هي من خلال تركيا باتجاه جنوب وشرق وغرب أوروبا"، لافتا إلى أن "أوروبا حاليا من الممكن أن تعيد نشر استثماراتها، وخاصة في صناعة الغاز والبتروكيمياويات وبقية المدن الصناعية المزمع إنشاؤها، فلا حدود لحجم الاستفادة من هذه التغيرات الاقتصادية".
ويردف أن "العراق سينتقل من كونه منطقة اقتصادية ذات أبعاد محلية إلى منطقة تنمو فيها الاستثمارات الإقليمية والدولية، وستضع خريطة العراق الاقتصادية ضمن مقدرات الاقتصاد العالمي، ما يعني تنشيط صادرات العراق، خاصة المعادن التي يمتلكها، سواء كانت فلزية أو غير فلزية".
ويشدد صفوان على أنه "سيكون هناك إحياء لصناعة الإسمنت والفوسفات والكبريت والسيليكا، ويمكن أيضا أن يكون بوابة لاستقبال السياح الأوروبيين بمختلف مسمياتهم، وكذلك طريقا للحج".
ويلفت إلى أنه "لا توجد مصالح متقاطعة، فالمنطقة تنمو بطريقة مستدامة ووجود منافسة بين الموانئ ستؤدي في النهاية إلى شراكة اقتصادية مع دول المنطقة وتكاملا اقتصاديا واستثمارات متبادلة وعلى المدى البعيد"، منوها إلى أن "العراق سيكون المستفيد الأكبر من هذا الموضوع".
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، قد عقد اجتماعا يوم أمس الاول الخميس، مع وفد من شركة "ليماك" التركية، أشار خلاله إلى الفرص الاستثمارية والتنموية التي يمكن للشركة أن تسهم بها في العراق، خاصة في مجالات البنى التحتية ومشاريع النقل، وما يتصل بمشروعي طريق التنمية وميناء الفاو الكبير، وكذلك الطرق والجسور والمدن الصناعية في مختلف المحافظات.
وأكد أن البيئة الاستثمارية في العراق باتت واعدة ومرحبة ومفتوحة لاسيما بعد أن أخذت الإصلاحات المالية والإدارية والمصرفية مجراها وتأهيل القطاع الخاص لعقد شراكات مثمرة مع الشركات العالمية.
غير أن الخبير في اقتصاد النقل الدولي زياد الهاشمي، يرى أن "الحكومة العراقية ما تزال تراوح في مكانها بشأن التقدم بخطوات تنفيذية لمشروع طريق التنمية والذي من الواضح أن عملية الحصول على التمويل الاستثماري اللازم لتنفيذه قد وصل إلى طريق مسدود بسبب الشكوك لدى المستثمرين الدوليين والإقليميين من جدوى هذا المشروع".
ويعتبر الهاشمي، أن "اللقاءات التي تجريها الحكومة العراقية لا تعدو كونها لقاءات علاقات عامة لا تقدم خطوات ملموسة نحو تنفيذ المشروع خصوصا بعد ورود إشارات بأن المشروع قد تم تأجيله للعام المقبل بسبب خلافات وعدم توافق على مساراته البرية".
ويوضح أن "من المهم الإشارة إلى أنه من دون تنفيذ طريق التنمية فمن المرجح أن يفقد ميناء الفاو حصصا سوقية محتملة في أسواق تركيا وغيرها من الدول الإقليمية، وحينها سيكون الميناء مجرد ميناء محليا لا يعمل بكامل طاقته التشغيلية".
وفيما يتعلق بتحركات تركيا لتنفيد المشروع، يبين الخبير الاقتصادي والمالي، أن "تركيا تسعى جاهدة لإنجاز المشروع لأنه سيوفر لها ممرا سريعا لوصول بضائعها لدول الخليج وربما نحو شرق آسيا وشبه القارة الهندية، لكن تركيا تفتقر لقدرتها على تمويل المشروع، وهي من ناحية أخرى تحاول إغراء العراق بسرعة تنفيذه من خلال ضمان ربط الطريق مع أوروبا".
ويستدرك "حساباتنا كمختصين نجد أن العراق لن يستفيد كثيرا من الربط مع أوروبا بسبب اعتماد سلاسل الإمداد الأوروبية على النقل البحري بسبب ضخامة حجم التجارة المنقولة من آسيا لأوروبا والتي لا يمكن للجغرافيا العراقية ومشاريع النقل فيه نقلها بكفاءة وبكلف رخيصة كالتي يقدمها النقل البحري المباشر".
يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال خلال مشاركته في قمة كونكورديا، التي عقدت في مدينة نيويورك الأمريكية، في أيلول 2023، إن بلاده لمست "عزماً كبيراً" لدى دول الخليج لتنفيذ مشروع طريق التنمية العراقي، معتبرا هذا المشروع "يتيح فرصة بناء عالم جديد".
بدوره، يفصل الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، أن "هناك أهمية كبيرة للاتفاق بين العراق وتركيا على الشروع ببناء مسار مزدوج يتضمن ممر بري وخط للسكك الحديدية يمتد من البصرة إلى تركيا ضمن ما يسمى بالقناة الجافة".
ويبين المرسومي، أن "هذا المشروع سيحول العراق إلى محطة نقل كبرى للدول الأوروبية بعد تركيا، إذ ستعبر الشحنات التي تصل بحرا عبر ميناء الفاو إلى تركيا وأوروبا من خلال القناة الجافة كما أنها ستنقل السلع التركية والأوروبية إلى العراق ومنه إلى دول الخليج وإيران وسوريا والأردن".
وينبه إلى أن "القناة الجافة تعد المشروع المكمل لميناء الفاو الكبير المتوقع أن تنجز المرحلة الأولى منه عام 2025، والذي من خلاله سينخفض زمن الرحلة البحرية للسفن المحملة بالبضائع التي تسير بسرعة 15 ميلا في الساعة من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي نحو 33 يوما بحريا، في حين تستغرق 15 يوما فقط عندما تنقل البضائع من شنغهاي إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو الكبير ومنه عبر القناة الجافة إلى موانئ البحر المتوسط في سوريا وتركيا ومنهما إلى الميناء الهولندي".
ويكمل الخبير الاقتصادي، أن "ذلك يعني بأن النقل عبر العراق سيوفر تخفيضا جوهريا في كلف نقل البضائع يصل إلى أكثر من النصف، والمعروف أن هناك مشروعا للربط التجاري بين الإمارات وتركيا من خلال إيران، إذ ستنقل البضائع من ميناء الشارقة إلى ميناء بندر عباس الإيراني ومن ثم تبدأ السير برا إلى معبر بازرجان- جوربولاك الحدودي بين إيران وتركيا ومن ثم إلى ميناء الإسكندرونة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في تركيا، الأمر الذي من شأنه اختصار مدة الرحلة إلى 7 أيام مقارنة بمدة الطريق البحري التقليدي عبر قناة السويس الذي يستغرق نحو 20 يوما، مما سيخفض تكلفة الصادرات والواردات بسبب انخفاض مدة وتكلفة الشحن".
ويتابع المرسومي، أن "إيران ستجني التعريفات الجمركية التي ستفرضها على مرور الشاحنات عبر أراضيها، فضلا عن مساهمتها في حركة التجارة البرية في المنطقة، لكن التوترات التي تشهدها المنطقة والخلافات التي تحدث بين دول الخليج وإيران، إضافة إلى التوتر مع أمريكا وإسرائيل، تجعل من الاتفاق هشا، مما حفز الإمارات وتركيا للتوجه نحو العراق إذ يمكن اختصار الوقت إذا تم تنفيذ مشاريع السكك الحديدية والطرق البرية ضمن المسار المزدوج للقناة الجافة، وفي هذه الحالة ستنقل البضائع من ميناء جبل علي الإماراتي إلى ميناء الفاو الكبير ومنه إلى تركيا، خاصة وأن الأخيرة سيكون لها دور محوري في طريق الحرير، لا سيما بعد فتح قناة إسطنبول المائية التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود".
ويرى مختصون ان ميناء الفاو سيكون نقطة الربط بين شرق آسيا وبين أوروبا، وسيحول العراق إلى ممر للبضائع، تبدأ من ميناء الفاو وتمر بريا عبر خطوط حديثة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يختصر الفترة الزمنية لنقل البضائع إلى ساعات، بدلا من 20 يوما تقريبا عبر قناة السويس، وهي الممر الحالي الرابط بين شرق آسيا وأوروبا.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟