حرفت التهديدات العسكرية على البحر الأحمر، مسار أهم طريق للتجارة العالمية بين الشرق والغرب، إذ واصلت أبرز شركات الشحن العالمية العزوف عن سلوكه بسبب "التهديدات الأمنية" كما أوضحت.
وتثير هذه التطورات الحديث مجددا عن إمكانية أن يصبح العراق بديلا تجاريا لهذا المسار المهم عبر ميناء الفاو وطريق التنمية، لكن عدم إكمال المشروعين يقف حاجزا أمام هذه الفرصة، وفيما يتحدث خبير بالحدود البحرية، أن العراق يملك فرصة باستقطاب الرحلات التجارية لاسيما مع توجه الحكومة بتطوير الطرق، أشار متخصص بالنقل البحري إلى صعوبة أن يكون العراق بديلا لحركة التجارة في البحر الأحمر، بسبب الفرق الشاسع بين طاقة استيعاب قناة السويس بمقابل ميناء الفاو وطريق التنمية.
ويؤكد الخبير بترسيم الحدود البحرية جمال الحلبوسي، أن "التهديدات الحاصلة في باب المندب والبحر الأحمر وحتى في بحر العرب غيرت من طريق التجارة العالمية والنقل البحري في هذه المياه، باعتبارها من أهم ممرات التجارة العالمية التي تربط جنوب شرق آسيا كاليابان والكوريتين والصين والهند مع دول أوروبا، وهذا التغيير أربك كل الدول الغربية التي تمتلك نشاطا تجاريا بين الشرق والغرب".
ويضيف الحلبوسي، أن "مشروع التنمية يمتلك فرصة استقطاب الدول العربية المجاورة للعراق في الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه يعتبر حلقة وصل للتجارة العالمية ومنفذا احتياطيا آخر، لذلك فإن ميناء الفاو كان يفترض أن يكون مؤهلا للعمل منذ زمن بعيد، لكن تأخر بسبب ضغوط خارجية وأسباب داخلية أخرى كالحرب على الإرهاب وقلة الموارد وتعطل الموازنات والفساد الذي عصف بالبلاد"، لافتا أن "الميناء لوكان مكتملا لاستقطب نصف التجارة التي كانت تمر من قناة السويس".
ويتابع أن "خطوات الحكومة الأخيرة بعملية تطوير الطرق وإحداث نقلة نوعية في تخفيف الزحامات من خلال إنشاء الجسور والأنفاق وممرات طرق جديدة، من شأنها تعزيز طريق التنمية باعتباره مسارا طويلا، إذ تبلغ المسافة من الفاو أقصى جنوب العراق إلى منطقة إبراهيم الخليل الحدودية مع تركيا شمالا، تقريبا 1192 كيلومترا ويمر بعدة محافظات".
ويرى الخبير بترسيم الحدود البحرية، أن "من الضروري تأمين ميزانية المحافظات من أجل الإسراع في عملية إنجاز مشروع التنمية، مع ضرورة وجود إدارة عليا قيادية فنية من أجل إنجاح المشروع، فمن الممكن إنشاء مدن على الأطراف ومحطات إدامة وصيانة، وهذه كلها متطلبات طريق التنمية الذي ينبغي على المحافظات والحكومة العمل على إنجازها".
ويشير إلى إمكانية أن يوفر المشروع "دعما اقتصاديا لموارد العراق، فنجاحه سيحقق انتصارا كبيرا للعراق خاصة أن البلاد بحاجة لتبادل تجاري وترانزيت وهو من أهم وأفضل المشاريع الحالية الذ من الممكن أن تتبعه مشاريع أخرى كثيرة فهو سيساهم بتنشيط عملية التجارة والصناعة والإنتاج الزراعي داخل العراق والسياحة الأثرية والدينية وغيرها".
إلى ذلك، واصلت العديد من شركات الشحن البحري تجنب البحر الأحمر خشية تعرضها لأذى نتيجة تهديد الحوثيين، للسفن الإسرائيلية أو تلك التي تحمل بضائع إسرائيلية، وذلك بالتزامن مع الحرب التي يشهدها قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ أكثر من 3 أشهر، وبدلا من ذلك تسلك طريق رأس الرجاء الصالح الذي يكلف وقتا وأجرا أكبر.
وأمس الأول الثلاثاء، أعلن متحدث باسم شركة "هاباغ لويد" الألمانية (خامس أكبر شركة لسفن الحاويات في العالم) أن الشركة ستواصل تجنب البحر الأحمر وقناة السويس وتحويل مسار سفنها باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح جنوب قارة أفريقيا، عازية الأمر إلى أسباب أمنية.
وقبل أربعة أيام، أكدت شركة "كوسكو" الصينية العملاقة للشحن، وهي رابع أكبر خط ملاحي للحاويات في العالم أنها توقفت عن الملاحة هناك بسبب تصاعد التوترات في مضيق باب المندب والبحر الأحمر.
وفي مواجهة التوتر في البحر الأحمر أصدرت بعض شركات الشحن تعليمات للسفن بالإبحار بدلا من ذلك حول جنوب القارة الأفريقية، وهو طريق أبطأ وبالتالي أكثر تكلفة.
من جهة أخرى، يعمل العراق على ربط الأسواق الآسيوية بالأوروبية عبر ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة (جنوبا) ثم القناة الجافة التي تبدأ من الميناء جنوبا وتنتهي بالحدود العراقية التركية شمالا بواسطة طريق التنمية أو ما يعرف محليا بالقناة الجافة.
وعن إمكانية استغلال هذه التوترات، يلفت الخبير في اقتصاد النقل الدولي، زياد الهاشمي، إلى أن "مشاريع مثل ميناء الفاو وجدت للأجيال القادمة، لذلك ينبغي الحصول على حصة سوقية قبل الاستثمار فيها من أجل ضمان إيرادات وعائدات مالية تغطي الكلف وتحقق أرباحا مالية".
ويشير الهاشمي، إلى أن "من الممكن استقطاب الموانئ البحرية العراقية بعض الشحنات التجارية لتغذية منطقة شرق أوروبا عن طريق ميناء الفاو، ومن ثم نقلها من خلال طريق التنمية إلى تركيا أو مناطق شرق أوروبا".
لكن زياد، يرى أن "العراق لا يمكن أن يكون البديل لحركة التجارة في البحر الأحمر، وذلك لأن طاقة قناة السويس السنوية تتجاوز 400 مليون طن، أما طاقة طريق التنمية المخطط لها هي 4 ملايين طن، بالإضافة إلى أن النقل البري لا يجلب إيرادات قوية، لذلك ينبغي أن يتم إنشاء صناعة وخدمات لوجستية وقيمة مضافة".
ويؤكد خبير النقل، إمكانية الاستفادة من ميناء الفاو بسبب موقعه الجغرافي المهم، لكن "بشكل محدود ووقتي، لأنه عندما يتم حل التهديدات داخل البحر الأحمر سترجع المسارات والحركة التجارية كما كانت سابقا".
وتتواصل عمليات تأهيل ميناء الفاو اقصى جنوب العراق باعتباره المحطة الأساسية لاستلام البضائع قبل نقلها براً، ويهدف المشروع إلى بناء 15 محطة قطار لنقل الركاب والبضائع على خط سكك حديدي بسرعة تبلغ 140 كيلومترًا في الساعة، تنطلق من البصرة جنوبا مرورا ببغداد وصولا إلى حدود تركيا.
يذكر أن المدة الزمنية البحرية للسفن المحملة بالبضائع من ميناء شنغهاي الصيني إلى ميناء روتردام الهولندي تستغرق نحو 33 يوما، في حين أنها ستستغرق 15 يوما فقط عندما تنتقل البضائع من شنغهاي إلى ميناء جوادر الباكستاني ثم إلى ميناء الفاو الكبير، ومنه عبر القناة الجافة العراقية إلى موانئ البحر المتوسط في تركيا، ومنها إلى ميناء روتردام الهولندي، بما يعني تقليص زمن الرحلة إلى أكثر من 50 بالمئة.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟