- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف تعامل الإمام الرضا (عليه السلام) مع كنية شاعر؟
بقلم: حسين فرحان
(أبو العتاهية) الكنية الأكثر شهرة للشاعر (إسماعيل بن القاسم بن سويد العنزي)، المعروف أيضا بأبي إسحاق..
قال المبرد فيه: "حدثني محمد بن البصري قال: كان (أبو العتاهية)، لسهولة شعره وجودة طبعه فيه، ربما قال شعراً موزوناً ليس من الأعاريض المعروفة، وكان يلعب بالشعر لعباً، ويأخذ كيف شاء".
وقال الفراء : "دخلت على جعفر بن يحيى فقال لي: يا أبا زكريّا، ما تقول فيما أقول؟ فقلت: وما تقول أصلحك اللّه؟ قال: أزعم أنّ (أبا العتاهية) أشعر أهل هذا العصر، فقلت: هو واللّه أشعرهم عندي".
وقال أبو نواس : "والله ما رأيته قط إلا توهمت أنه سماويٌّ وأنا أَرْضِيٌّ ".
"ورد في سببِ تكنيةِ أبي العتاهية بهذه الكُنيةِ أنّ المهدي قال له يوماً: (أنت إنسانٌ مُتحذلِق مُعته)، ومن ثمّ أصبحت هذه الكُنيةُ بمثابةِ لقبٍ مُلازمٍ له، وقِيل إنّه يُقال للرجل المُتحذلِق: (عتاهية)، كما يُقال: (عتاهية) دون الألف، واللام، وقِيل أيضاً إنّه لُقِّب بأبي العتاهية؛ لأنّه كان يحبُّ الشهرةَ، والتَّعَتُّه، والجديرُ بالذّكر أنّ كلمة عتاهية لا تقتصرُ على معنىً واحدٍ فقط، بل إنّ لها معانٍ عدّة؛ فقد ورد في المعجم أنّ (عَتَه في الشيء) تعني: أنّه حرِصَ عليه، وأصبح مُولَعاً به، ووردَ أيضاً أنّ العتاهية مصدر للفعل (عُتِه)، وهي تعني: الضلال، والحُمق، كما أنّ التعتُّه هو: الرعونة، والتجَنُّنُ، وهو مبالغة المرء في مأكلِه، وملبَسِه، بالإضافة إلى أنّ التَّعَتُّهُ هو: التَّنَظُّفُ، والتَّجاهُلُ، والتَّغافُلُ، كما ورد أنّ المقصودَ بالرجل العتاهية هو: الرجل الأحمق المعتوه."
ايا كانت أسباب إطلاق هذه الكنية على الرجل فقد تعامل معها الإمام الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) بطريقة لم يألفها الناس في ذلك الزمان حيث صاروا يطلقونها على هذا الشاعر دون مراعاة لرضاه عن ذلك أم لا..
بل أنها أصبحت من المسلمات لديهم وماتزال كذلك بحيث تم اعتمادها في عناوين دواوينه وترجمة سيرته وحياته وعند التطرق لقصائده..
وهذا لم يحصل عند الإمام (عليه السلام) فقد أنكر على رجل كان في مجلسه أن ينعته بأبي العتاهية لكي لا يكون في ذلك استهزاء أو سخرية أو أن يكون إطلاق هذه الكنية دون رضا الشاعر وكراهته لذلك..
فقد ورد في كتاب عيون أخبار الرضا:
"روى الصدوق عن محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني عمي قال سمعت الرضا عليه السلام يومًا ينشد -وقليلًا ما كان ينشد- شعرًا:
كلنا نأمل مدًا في الأجل
والمنايا هُنّ آفات الأمل
لا تغرنّك أباطيل المنى
والزم القصد ودع عنك العلل
إِنَّما الدُنيا كَظِلٍ زائِلٍ
او كَضَيفٍ باتَ لَيلاً فَاِرتَحَل
فقلت لمن هذا أعزّ الله الأمير؟ فقال عليه السلام «لعراقي لكم» قلت أنشدنيه أبو العتاهية لنفسه، فقال عليه السلام: «هات اسمه ودع عنك هذا، إنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ولاتنابزوا بالألقاب ولعلّ الرجل يكره هذا»
هذه هي أخلاق المعصوم (عليه السلام) وهذا هو الفرق بينه وبين سائر الناس.. تلمس الحكمة والورع والدقة في جميع شؤون حياته، فالسلام على شمس الشموس وأنيس النفوس ورحمة الله وبركاته.
أقرأ ايضاً
- وقفه مع التعداد السكاني
- وقفة مع مذكرات الجواهري
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟