- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
"سلام يا مهدي" وعالمية الموسيقى ..
بقلم: علي الراضي الخفاجي
(سلام فرمانده) هكذا أنشدها أطفال إيران قبل أن تترجم إلى جميع اللغات وتطبق الآفاق وتعبر القارات، لتخطف الأبصار وتدغدغ الأسماع وتشحذ الهمم.
كيف انتشرت؟ ولماذا حصل هذا التفاعل الكبير معها في العديد من الشعوب؟
لايمكننا أمام هذه الظاهرة، خصوصاً في بداية ظهورها على القنوات إلَّا أن نتأمل في عيون الأطفال وهم ينشدون للإمام المهدي عليه السلام لنكتشف براءة تعابيرهم الخالية من التكلف والتصنع، بعد أن تأكد لنا أن وحدة المعاناة والبحث عن الخلاص ووحدة الطموح إلى رؤية المخلص وبلوغ أيامه فكرة دينية راسخة في جميع الأديان -مع الاختلاف في شخصه وحياته أو في كيفية ظهوره- ولكن يبقى من أشد المتمسكين بها هو المجتمع الشيعي؛ لما ورثه من نصوص وشعور بالإنتماء إلى مدرسة الأئمة جعلها عقيدة راسخة وأصل من أصول العقائد، مؤمنين أن غيبته عن الأنظار كانت لحكمة إلهية، وإن أمر ظهوره مرتبط بالأمر الإلهي، ولعل أداء الأطفال وخفة اللحن وتأثير الموسيقى كان عاملاً مهماً في الانتشار، حتى أن الذي كان يتبدل هو الكلمات وليس اللحن، ولأن الموسيقى نتاج ثقافة الشعوب وتعكس معاناتها العاطفية، فإنَّ المستمع للموسيقى الإيرانية تجعله يدخل في حالة من التأمل والعرفان والصوفية، وقد عرفت بتضمنها التقليدية رغم تطورها، فقد مرت بحسب المتابعين والمختصين بثلاث مراحل: ماقبل الإسلام، وكان مادة أدائها القبائل البختيارية والكردية واللُّريَّة، ومابعد الإسلام حيث أثراها الدين الجديد بطابع الحماسة والرثاء، والمرحلة الأخيرة تأثرها بالموسيقى الأوربية كما ذكر الموسيقي ناصح بور بقوله: إن التأثير الأوربي على الموسيقى الإيرانية يعود إلى الحقبة القاجارية عندما أدخلت الآلات الموسيقية العسكرية مع البنادق والمدافع.
ومع كل ذلك بقيت الموسيقى الإيرانية تحمل روح الموسيقى الشرقية التقليدية المتأثرة بروح الإسلام بشكل عام والتشيع بشكل خاص، وذلك لما يحمله تاريخ الشيعة من معاناة حكام الجور في حقهم وفي حق أئمتهم، حتى أنها بعد انتصار الثورة ضد الملكية عام 1979 أثرت المكتبة الصوتية بسمفونيات علاها الطابع الثوري وطابع المعاناة، كما عبر الموسيقار (حسين علي زاده) عن سيمفونيته (ني نوا) أنه ألفها في فترة حرب الثمانينات، وأنه أراد بها مواساة العالم في تلك الفترة لما شهد من ضحايا وعذابات، والبعض أكد تأثرها بالموسيقى الآشورية الموغلة في القدم، لذا نلمس وجود محاكاة بينها وبين الموسيقى العراقية من خلال المسموعات، وهذه حقيقة مؤكدة أن موسيقى شعب تتأثر بالقرب الجغرافي، كما تتأثر بوحدة المعاناة بين شعوب تحمل تأريخاً واحداً أو آلاماً وطموحاً مشتركاً، وغير ما قدمه زاده من أعمال كالتي تجسد ملحمة كربلاء، ولعل أبرزها ما ألفه(أمير توسلي) في مقدمة مسلسل المختار.
ولأن الموسيقى ليس لها حدود، بل تعد لغة عالمية تعتمد على المشاعر وليس على الألسن، فقد كان لحن (سلام فرمانده) هو المشترك بين الملهمين في صدق التعبير والغارقين في الأمل وانتظار الخلاص.