بقلم: هادي جلو مرعي
يمضي بعض الأخوة والاصدقاء من أبناء منطقتنا العربية والشرق أوسطية للتطبيع مع إسرائيل، والترويج لذلك بمؤتمرات وندوات ودعايات وجس نبض وتصريحات وبوستات فيس بوك وتغريدات تويتر وعقود للاعبي كرة قدم وفنانين وصحفيين يزورون بعض العواصم ليكونوا واجهة متقدمة للتقريب بين الكيان المحتل ودولنا العربية، وقد ساهموا في تهيئة جيل لايتردد في إطلاق العبارات والإشارات والإيحاءات الرامية الى تفنيد الحقائق التاريخية، وتصوير المحتلين على إنهم شركاء في المنطقة، ويجب التعايش معهم، والعمل على شراكة دائمة معهم في مجال الإقتصاد والسياحة والثقافة، وتبادل المعلومات والخبرات، وفتح قنصليات وسفارات في تل أبيب، في مقابل فتح سفارات للكيان المحتل في عواصم عربية، وصار البعض يسخر من رافضي التطبيع، ويصورهم على إنهم أقلية، وكأن الغالبية من العرب والمسلمين لايمانعون من علافات كاملة مع هذا الكيان.
واحدة من أسباب نجاح محاولات التطبيع هي الترويج لليهودي الصديق والمحب للسلام برغم كل مايستخدمه من قمع وتنكيل وعدوان على الشعب الفلسطيني المظلوم، وبرغم كم القصف والمزنجرات والطائرات والمدرعات والقنابل، وصار المقاوم والمتحدي منبوذا، بل وبدأ البعض يهيئ لتحالفات عسكرية لمواجهة من يرفض التطبيع حتى وجدنا إن الحكومة الفلسطينية مستهدفة بطرق عدة إقتصادية وسياسية، وكأن حكومة الرئيس محمود عباس هي المحتلة، وليس حكومة الكيان الغاصب المتطاول !! ولعل مازرعه الإعلام الغربي، وبعض الحمقى في بلداننا العربية من أفكار سيئة ضد الفلسطينيين واحدة من أساليب إظهار اليهودي الطيب، في مقابل الفلسطيني الإرهابي والخطير والشرير، وليس ممكنا تناسي الحملة ضد الفلسطينيين في عديد البلدان العربية التي يعيشون فيها، ومحاولة إلصاق جرائم الإرهاب بهم، ولعل ذلك مايفسر لنا الحديث عن التمكين، وأعني المشيئة الإلهية التي قضت بصعود اليهود، وإبتلائهم بعلو في الأرض سرعان ماسيزول عنهَم، ويعودون الى شتاتهم القديم، وليعلموا إن الله حق، ولن يكون نصيرا للمعتدين، فهو الحكم العدل بين المتخاصمين جميعا.
لاينبغي تجاهل العوامل التي أدت الى توهين العرب في مواجهتهم الطويلة مع المتربصين بهم حيث الخلافات، وروح الهزيمة التي إنطبعت، ومحاولات الحكام ترسيخ نفوذهم. فصار المواطن العربي يقارن بين طغيان الحاكم، ومصادرته للحقوق، وبين مايفعله الكيان الغاصب في فلسطين، فإذا لم يجرؤ على إدانة حكامه، وإعتبار الصهاينة أفضل منهم، ذهب لطرح معادلة جديدة تتعلق بسلوك هولاء الحكام. فيقول: إنه لافرق بين الإثنين! وهذا خطأ فادح، فبإمكان الشعب أن يثور، ويغير حكامه، ويأتي بخير منهم، وهي سنة الصراع عبر التاريخ، ولكننا في إطار معادلة الصراع مع الكيان الغاصب نمتلك إرثا تاريخيا يتعلق بنفي وجود أمة ودين وشعب وحضارة، ووضع كل ذلك في سلة المحتل الغاصب الذي ندرك جميعا أن لامستقبل له، وإن المطبعين معه، والمطبلين للتطبيع لامستقبل لهم، والمستقبل ليس مع إسرائيل حتما.