- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
احتفال بيوم الربيع بدأ من العراق واعتمدته الأمم الأخرى رأساً لسنتها الشمسية؟
بقلم: جسام محمد السعيدي
يوم بدء الربيع، بداية احتفالات رأس السنة العراقية (زكموك) باللغة السومرية و( أكيتو) باللغة البابلية، أو عيد شم النسيم المصري (شوم إنسم ) باللغة القبطية، أو نوروز - نيروز الفارسي أو الكردي وكذلك في الحضارات الهندو أوربية، وفي بلدان الشام احتـُفل به باعتباره (عيد بعل).
كلها مسميات لحدث فلكي يُعلن من خلاله بدء فصل الربيع في النصف الشمالي واستهلال فصل الخريف في النصف الجنوبي.
استخدمته الحضارات الانسانية بعد بدء الخليقة، يوماً لأول تقاويمها السنوية، وذلك لدلالات الفصول المتناسبة فلسفياً مع مراحل عمر الانسان.
فبداية العمر تسمى ربيعاً حيث الشباب والحيوية والجمال، وصارت ولادة الانسان بداية ربيع حياته وأول أيام الربيع هي بداية السنة، ووسط العمر حيث النشاط المكثف والعمل والمسؤوليات الأسرية والاجتماعية فيسمى صيفاً، وشيخوخة العمر تسمى خريفاً حيث قلة الحركة والتعب والأمراض، ونهاية العمر بالجمود والموت الذي يُرمز له بالشتاء.
وكانت أولى الحضارات الانسانية التي اعتبرته اول أيام تقويمها الشمسي هي أولها، الحضارة العراقية.. بدايةً بالحضارة الكلدانية أو الفراتية الأولى (ما قبل السومرية ) في أريدو.
ولكن هذه الحضارة - ولاهتمامها بحركة القمر حول الارض وتأثيره في توقيتات الزمن ولدقتها- عدّلت تقويمها بإضافة الفرق بين التقويمين الشمسي والقمري ليكون مدة احتفالات بحوالي 10 أيام، ليبدأ التقويم العراقي(الشمسي - القمري) يوم 1 نيسان من كل عام والذي أصبح لاحقاً التقويم المسيحي الأول، في حين تبدأ احتفالاته في الاعتدال الربيعي لعشرة أيام.
وتوالت الحضارات في اعتماد هذا اليوم بداية لسنتها، خاصة الحضارات المعتمدة على التقويم الشمسي كالفارسية والتركية والكردية التي لم تـُضف الفرق بين التقويمين.
وفي هذه السنة وفي تمام الساعة 12 و37 دقيقة من بعد ظهر يوم 20 آذار 2021 كريغوري (التقويم المسيحي المُحرّف) الموافق 20/12/2020ميلادي حقيقي، بدأ الربيع في نصف الكرة الشمالي ليعلن بدأ احتفالات السنة العراقية الجديدة بعد 10 أيام، وليكون 1 نيسان القادم موافقاً لتأريخ(1/1/7320 كلداني بابلي) الموافق (1/1/2021 ميلادي حقيقي).
كما بدأت احتفالات السنة الجديدة في شعوب أخرى(الفارسية، الكردية، بعض شعوب القوقاز).
يومٌ تحتفل به الأمة العراقية منذ أكثر من 50 قرناً وقيل 73 قرناً، في جميع أنحاء العراق بحدوده التأريخية والديمغرافية التي هي أوسع من دولته اليوم، وهي مناسبة ذات بعد عالمي بعد أن استخدمتها شعوب أخرى في العالم كبدء لسنتها القومية.
وقد وجدنا أن من المناسب أن نضع اليوم في متناول قرائنا عرضاً للأصول التأريخية لهذه المناسبة الشعبية العراقية، التي أصبحت فيما بعد احتفالاً لأمم كثيرة، حيث أدرجناها في نقاط تسهيلاً للمتابعة.
الأساس العلمي ليوم (زكموك، أكيتو، نيروز) في علم الفلك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في يوم 20 أو 21 أو 22 آذار من كل عام، وفي إحدى ساعات أحد هذه الأيام حسب الدورة الفلكية للشمس، تدخل الشمس في برج الحمل(1)، حسب حسابات علم الفلك الذي برع به اسلافنا، واكتشفوا من خلاله انقلابات الشمس الأربعة (الربيعية(21 آذار)، الصيفية(21حزيران)، الخريفية(21أيلول)، الشتوية(21 كانون الأول)).
يتساوى فيه الليل والنهار، وهو ما يسمى بيوم الانقلاب أو الاعتدال الربيعي، حيث تتحرك الارض بأتجاه أقرب للشمس في نصفها الشمالي منطبقة تماما على خط الاستواء، قادمة من نصفها الجنوبي الذي يضم أستراليا ونصف أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وبعضا من شبه القارة الهندية، والذي يضم أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية والقطب الشمالي نحو النصف الجنوبي من الأرض.
وتتحدد ساعات ودقائق هذه الانقلابات الفلكية سنوياً من خلال المراكز الفلكية التخصصية، ويمكن الاستفادة من القرص الفلكي لمركز البحوث الفلكية التابع لمكتب المرجع الديني الأعلى.
أساسه في وثائق التاريخ العراقية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ظل أجدادنا في العراق يحتفلون به في (سومر وآشور وبابل)، خلال 3 آلاف عام قبل ان تتبناه الشعوب الهندو أوربية ومنها (الاخمينيون) في بلاد فارس، بعد احتلالهم بابل عام 539 ق.م، حيث سمّوه (نيروز) وتعني بالفارسية القديمة (رأس السنة) وهي ترجمة فارسية حرفية لاسمه السومري الأصلي(زغموك ـ Zagmuk) وبالأكدي(راس ستيم ـ rêš-šattim، بالاضافة الى (أكيتو ـ الاحتفال) (2).
- ما زال العراقيون اليوم بكل اثنياتهم يحتفلون به، وليس غريباً انهم ما زالوا ملتزمين بكثيرٍ من طقوسه وخاصة في الجنوب والوسط، لأنهم جزء من هويتهم الثقافية، رغم دخولهم المسيحية في القرون الميلادية الأولى ثم الاسلام سنة 13 هـ. إذ يهيأون صينية فيها عدد من الشموع (7) نباتات او اكلات نباتية تبدأ بحرف السين.
ورقم (7) يرمز لعدد كواكب المجموعة الشمسية وفقاً لتقسيمات البابليين للمجموعة الشمسية التي كانوا يعتبرون فيها القمر والشمس جزءً من الكواكب، والتي صارت أساساً لعدد أيام الأسبوع التي يرمز كلاً منها لكوكب ما، مثلاً الأحد(Sunday)وهو يوم الشمس، الإثنين(Monday) اختصار لكلمتي (يوم القمر Moon day) وهكذا.
وهذا الرقم مميز في الحضارات العراقية، فمنه عدد طبقات برج بابل، والجنائن المعلقة، وزقورات المدن في الجنوب، والملوية في سامراء وغيرها.
- (21 آذار) حسب التقويم العراقي القديم (الشمسي ـ القمري) يكون اول شهر نيسان (ويكتب ويُلفط (نيشانو) باللغة الأكدية) لآختلاف عشرة أيام بين التقويمين الشمسي والقمري.
وذكر بعض المؤرخين أن أول تقويم بشري على أرض وادي الرافدين، وعلى يد الكلدانيين أو الفراتيين الأوائل، بدأ في 1 نيسان عام 5300ق.م، والذي أرّخ لبداية تأسيس أول دولة في العالم هي مملكة أريدو(3).
- 21 آذار هو يوم المنقلب الربيعي وأول ايام السنة العراقية اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الحسابات الشمسية عليها دون تعديل فرق القمر (الكلدانية والآشورية.
- استخدم نفس التقويم العراقي مع اضافة فرق الحساب القمري، كتقويم مسيحي ميلادي حتى عام 1564م وكانت أعياد رأس السنة المسيحية تكون ليلة 31 آذار وأول أيام السنة الميلادية هو 1 نيسان حتى سنة 1564م عندما غيرها شارل التاسع ملك فرنسان إلى 1 كانون الثاني.
- تبنت الدولة الحديثة التي اُنشأت في العراق سنة 1920م رسمياً الاحتفال بـ 21 آذار، باسم(عيد الشجرة) وجعلته عطلة رسمية، ولكنها لم تحاول اعطائه بعدا تاريخياً وتراثياً كما يستحق كون العراق هو اول من اتكره وفقاً لأسس علمية.
- مواطنينا الكرد يحتفلون بنوروز باعتباره ذكرى انتصار(كاوه الحداد) على الملك الطاغية(الضحاك). لكن يبدو أن الحكاية ليست كردية، بل فارسية، وأول من ذكرها المؤرخ البغدادي (المسعودي)، ثم فصلها(الفردوسي) باعتبارها حكاية فارسية، ولم يذكر أي مؤرخ علاقتها بالاكراد، قد تبناها الاكراد حديثا في القرن العشرين(4).
أساس المناسبة في الحضارات الأجنبية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- انتشر هذا العيد باسمه الفارسي (نيروز) المترجم عن البابلية بعد احتلال العراق من قبل الاخمينين سنة 539ق.م بين شعوب آسيا الآرية والتركستانية، التي خضعت للأمبراطوريات الفارسية(الاخمينية ثم البارثية ثم الساسانية)(5).
- عندما جاء الفتح الاسلامي من الجزيرة العربية، عرفوه باسمه الفارسي(نيروز) وليس العراقي، باعتبار أن العرب وجدوه كاحتفال رسمياً في الدولة الساسانية، حيث كان سكان العراق القدماء وأرضهم تحت احتلال الساسانيين،وكانت دولتهم المستقلة البابلية قد تم ازالتها من قبل الدولة الاخمينية.
- احتفلت به الدولة العباسية وانتشر اسمه في العالم الاسلامي، وحتى اقباط مصر استخدموا اسمه، وقدُسه الكثير من طوائف المسلمين، وهناك في هذا المجال روايات عن فضله، ولا علم لنا بصحتها من عدمه لانعدام تخصصنا في الأمر.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى
- الأطر القانونية لعمل الأجنبي في القانون العراقي