يوم عاشوراء الذي يرنو ناعيه على مسامع المسلمين واقعة كربلاء الأليمة بصوته الخالد ليومنا هذا دون سواه.. الشيخ عبد الزهرة الكعبي (رحمه الله) قارئ المقتل الحسيني، الذي تفرد من بين أقرانه بقراءته ونعيه المنبري وأدائه الذي لا زال ينبض في كل يوم عاشوراء..
والشيخ الكعبي أحد أعلام خطباء المنبر الحسيني في العراق والخليج العربي، وهو أول من أحسن قراءة مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وقراءة أربعينية الإمام (عليه السلام) فجسّد الإخلاص في حياته لخدمَةِ المنبر الحسيني، فكان رجلاً مخلصاً لله تعالى، لم يُر مثله خطيب لا يُبَحُّ صوته رغم خطابته المستمرة والمتعددة..
ويقول (الشيخ ضياء الزبيدي) لمراسل موقع نون إن الشيخ الكعبي سمي بعبد الزهراء لأنه ولد في مناسبة ولادة الزهراء (عليها السلام) بمدينة المشخاب في الرابعِ من يونيو 1909 العشرين من جمادي الأولى وهو الشيخ عبد الزهراء ابن الشيخ فلاح ابن الشيخ عباس ابن الشيخ وادي الكعبي، والمتوفى في الخامس عشر من جمادي الأولى وهو ذكرى استشهاد الزهراء (سلام الله عليها) أيضا الموافق في السادس من يونيو عام 1973م.. أما نشأته فقد ترعرع في ربوع كربلاء المقدسة، وبعد أن شد عوده وقوي ساعده دخل معاهد العلم والأدب عند الكتاتيب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم وهو في سن مبكر؛ خلال ستة أشهر على يد المرحوم الشيخ محمد السراج في الصحن الحسيني الشريف، ودرس علم العروض على يد الشيخ عبد الحسين الحويزي، ثم أصبح من أساتذة الحوزة العلمية الشريفة في كربلاء، حيث كان يلقي دروسه في الفقه الإسلامي واللغة العربية وفن الخطابة على عدد من طلبة الحوزة والعلوم الدينية وتولى التدريس في مدرسة الإمام القائم ومدرسة السيد المجدد الشيرازي ومدرسة (باد كوبة) الدينية وغيرها كما درس الأحاديث النبوية وخطب نهج البلاغة
الشيخ الكعبي: محطة لا زال يُنهلُ منها عِلمًا وخطابةً..
وتابع الشيخ الزبيدي إن الشيخ الكعبي: \"حضر مبادئ العلوم على الشيخ علي بن فليح الرماحي، ثم درس الفقه والأصول على العلامة الشيخ محمد داود الخطيب، وأخذ المنطق والبلاغة على العلامة الحجة الشيخ جعفر الرشتي أما الخطابة فقد أخذها على الخطيبين الجليلين الشيخ محمد مهدي المازندراني الحائري المعروف بـ(الواعظ) وخطيب كربلاء الشيخ محسن بن حسن أبو الحب الخفاجي ثم برع فيها واشتهر، وذاع صيته في الآفاق مخلصاً متفانياً في خدمة الإمام سيد الشهداء (عليه السلام).
فيما ذكر (الكاتب محمد الخفاف) لمراسل موقع نون : إن \"مجالسه كانت عامرة بالجماهير من الرجال والنساء والأطفال في مساجد كربلاء وحسينياتها ودورها وأسواقها فضلاً عن مجالسه في مدن العراق الأخرى، فكان الشيخ رحمه الله على درجة عالية وعجيبة من الإيمان والإخلاص اللذين كانا سبب سلامة صوته الدائمة، ذاكرا إن مجلس الشيخ الكعبي كان يعقد في بداية سوق العرب الواقع في الجنوب الغربي للعتبة الحسينية اليوم بحضور آلاف المستمعين، والذي عرف بـ(مقتل الحسين) ويذاع بنصه الكامل من دار الإذاعة العراقية منذ عام 1959م.
وقال الخفاف: \"يتبادر إلى الذهن عندما يذكر الشيخ الكعبي (مقتل الإمام الحسين)، وخطابة المنبر إلا إن للشيخ الخطيب باعا طويلا في الأدب العربي بقسميه الفصيح والدارج، فقد ذكر المرجاني في كتابه خطباء المنبر إن له ديوان شعر تحت عنوان: (دموع الأسى) ولا يزال مخطوطاً، ولا يعلم عما اعتراه من التلف أو الضياع ومن نماذج شعره في مدح الإمام الصادق(عليه السلام):
لأبي الكـاظم الإمام أيــادٍ سـابقات تعــمُّ كـلَّ البريـة
أظـهرها الله في شرعةِ طه بعـد إخفــائها فعادت بهـية
رويــت عنـه للأنام علوم هي كانت من قبل ذاك خفية
فحفظنا تـلك العلوم ومن ذا قـد عرفنا بالفرقة الجعـفرية
ناعية الطف: جامعة خَرجت أعلام الخطابة..
لا تكاد تجد بيتاً من بيوت الشيعة في العراق والخليج العربي وبلاد الشام وغيرها إلا وقد اقتنى من الأشرطة المسجلة للمقتل بصوت الشيخ الكعبي بل وتعتبر هذه الأشرطة من الآثار المباركات له لِما لها من التأثير البالغ في أوساط أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى كذلك حيث اعتنق كثير منهم مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأصبحوا من الدعاة إليه بتأليفاتهم كالأستاذ إدريس الحسيني مؤلف كتاب (لقد شيعني الحسين)، والأستاذ صائب عبد الحميد مؤلف كتاب (نشأة التشيع والشيعة).
وبين (المؤرخ سعيد زميزم) لمراسل موقع نون إن الشيخ الشهيد الكعبي (قدس سره) امتاز بقدرته المنبرية الفائقة المتمثلة في قوة البيان والشجاعة في عرض الأفكار المُقدسَةِ للإسلام الحنيف وفي مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كان مهتما بحفظ القرآن الكريم، والتأكيد على حفظ الأحاديث الشريفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) بنصها، فضلاً عن اهتمامه بالجانب الأدبي؛ وانتقائه البليغ من عيون الشعر، كما تميز من دون أقرانه بالجرأة المشهودة واهتمامه بالشباب وكان يمانع من إخراج الأطفال من المجلس قائلاً: (إن اهتمامنا عملياً ينبغي أن يصب على هؤلاء لأنهم الثمرة في المستقبل. وكذلك تميز بالذكاء وقوة حافظته حيث الخزين العلمي الذي كان يتبين من خلال مجالسه المؤثرة في مستمعيه فكان يطرح المعلومات التاريخية والبحوث العقائدية والتي لا يراجع بها كتاباً في موسم التبليغ.
وساهم مع وجهاء بعض المناطق التي كان يذهب إليها في موسم التبليغ في حل كثير من المشاكل الاجتماعية والعائلية مهتماً بإصلاح ذات البين، وسعى في تزويج الكثير من الشباب المؤمن، وكان وجيها مؤثراً في أوساط المجتمع وعالماً عاملاً مجاهداً، دمث الأخلاق متواضعاً، لا يشعر جليسه بأي حرج في طرح الأسئلة معروفا بالنوادر وظرف الحديث والمزاح المتزن.
وأشار زميزم الى إن من جملة مَن تخرج من تحت منبره ودرسَ عنده عدد يربو على (300) خطيب حسيني بارع انتشروا في البلاد الإسلامية أمثال الشيخ ضياء الشيخ حمزة الزبيدي والخطيب الشيخ على الساعدي والخطيب الشيخ عبد الرضا الصافي والخطيب الشيخ عبد الحميد المهاجر والسيد محمود الخطيب والشيخ أحمد عصفور وغيرهم..
الكعبي بين مجاهدة الباطل والاستبداد وتنشئة الجيل الواعد
بينما أشار (حفيده حسام علي الكعبي) لمراسل موقع نون الى مكانة جده فقال: \"كان معروفاً بجهاده أينما حل، ومناهضته ضد الباطل والانحراف والظلم والجور والتعدي مهما كانت نتائجه والمعاناة بسببه حيث المضايقة من قبل الطغاة وأعوانهم لمن سلك هذا السبيل المقدس المناصر للحق على مر العصور كما هو معروف، ولقد كان له دور متميز بجهاده في تربية الجيل من الشباب بالثقافة الإسلامية والتسلح بالوعي بمخاطر الانحراف والظلم وذلك من خلال منبره ومشاركته في مشاريع التوعية والتربية أينما حل (رضوان الله تعالى عليه). وعاود الشيخ ضياء الزبيدي حديثه ليشير الى جهاد الشيخ الكعبي ومواقفه التي تم على أثرها اعتقاله ومنها مبادرته مع بعض خطباء كربلاء برفع برقية إلى (البكر) مطالبين بإطلاق سراح السيد حسن الشيرازي من معتقله، فما كان من السلطة إلا ان أصدرت أمراً باعتقال الموقعين على البرقية وهم الشيخ عبد الزهرة الكعبي، الشيخ حمزة الزبيدي، السيد كاظم القزويني والسيد مرتضى القزويني والشيخ عبد الحميد المهاجر.
فتمكنت السلطة من اعتقال الشيخ الكعبي والشيخ حمزة الزبيدي واختفى الآخرون. فكان اعتقال الكعبي والزبيدي في دائرة أمن كربلاء لمدة ثلاثة أيام نُقلا بعدها إلى مركز أمن (الحرية) ثم مديرية الأمن العامة في بغداد وبعدها تم نقلهما إلى سجن (بعقوبة) حيث حكم عليهما بالحجز الاحترازي لمدة أربعة أشهر أُطلق سراحهما بعدها عام 1969م.
أما استشهاده فذكر الزبيدي: \"إن الشيخ كان لا يزال يواصل مسيرته الجهادية المقدسة، لا سيما جهاده المنبري الذي كان مدوياً، ولم يكترث فيه من مضايقات الطغاة وأساليبهم القمعية الإرهابية، فما كان منهم إلا أن سخّروا بعض جلاوزتهم لدسّ السمّ القاتل إليه في القهوة التي قدمت له في مجلس فاتحة، فرجع إلى مجلسه في صحن العباس (عليه السلام) وأثناء قراءته أصابته حالة إغماء سقط على أثرها من على المنبر وفي طريقه إلى المستشفى عرجت روحه الطاهرة إلى ربها راضيةً مرضية في ليلة شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يوم 6/ 6/ 1974م،
وذكر زميزم إن يوم تشيعه كان يوماً مشهوداً في مدينة كربلاء بل في العراق، فقد زحفت الجماهير من كل حدب وصوب للاشتراك في تشييع جثمانه المقدس عبر الخط الطويل من داره إلى مرقده في الوادي القديم بعد إتمام الزيارة والصلاة عليه، وكانت مراسيم تشييعه مشابهةً تماماً لمراسيم تشييع مراجع الدين الكبار، حيث وضع جثمانه في (العماري) وهي نعش خشبي كبير يوضع فيه التابوت احتراماً للمتوفى وانطلقت المسيرات العزائية الحزينة في مقدمة الجنازة وضجت لوفاته الكثير من البلاد الإسلامية فكتبت عنه الصحف والمجلات وأقيمت على روحه مجالس الفاتحة في داخل العراق وخارجه\"
تقرير حسين النعمة
موقع نون خاص
أقرأ ايضاً
- في هذا المكان.. الامام الحسين (عليه السلام) التقى مع عمر بن سعد يوم عاشوراء (فيديو)
- موظفون يعملون صباحا ويخدمون في المساء "حملة عاشوراء" تطعم الزائرين (60) طن من المشويات والفاكهة
- بخطط غير مدروسة.. بغداد تزيح منشآتها الصناعية خارجها