حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ لم يكن رئيس الوزراء د. العبادي ليبالغ في التفاؤل بعد تحرير مدينة الرمادي الإستراتيجية (108 كم غرب بغداد)، حين أكد بثقة عالية بالنفس بعد التحرير: (نقولها بثقة تامة نحن قادمون لتحرير الموصل) وان عام 2016 سيكون عام التحرير النهائي، فقد اثبت العراقيون ـ الذين اخذوا بمبدأ أنهم هم المعنيون بتحرير بلدهم ـ أن داعش هو مجرد نمر من ورق خلافا للصورة التي رسمها الإعلام المناوئ للعراق، والمتواشج مع داعش وقد كانت مدينة الرمادي التي تشكل ثلث مساحة العراق ثاني أهم عقدة إستراتيجية بعد الموصل، راهن الداعشيون على استعصائها بوجه قواتنا الأمنية وعلى استحالة تحريرها وصعوبة استردادها وإعادتها الى حضن الوطن الام استنادا الى سهولة وقوع هذه المدينة أسيرة في قبضة داعش في (17 أيار الماضي) فراهن داعش على صعوبة تحريرها بالسرعة التي سقطت بها نتيجة التحصينات الهائلة التي تخندق بها هذا التنظيم . هذا وقد اختلفت السياقات التعبوية في عملية تحرير الرمادي عن السياقات التعبوية التي اتبعت في تحرير بقية المدن التي ِاستولى عليها داعش نظرا لسعة مساحة الرمادي وترامي أطرافها ولان داعش اتبع تكتيكا جديدا راهن فيه رهانا واسعا وفشل وذلك باتخاذ الأحياء المأهولة بالسكان جبهة مفتوحة أمام القوات الأمنية العراقية فهو يعلم أن القتال في ساحة المدينة الداخلية سيكون قتال مدن الذي هو أصعب أنواع القتال وهو ما أخّر عملية التحرير عن موعدها المقرر فضلا عن اتخاذ داعش السكان المحليين دروعا بشرية أمام النيران العراقية ليحقق بذلك هدفين متوازيين في آن واحد: الاول يتمثل في إعاقة تقدم القوات العراقية وذلك بتفخيخ المدارس والمساجد والمستشفيات والشوارع وكل شيء متاح والثاني لإعطاء مادة خبرية دسمة للإعلام المعادي بان ينقل بالصورة والصوت أن القوات العراقية ومعها "مليشيات" الحشد الشعبي (ذي الغالبية الشيعية) تستهدف المدنيين العزل (السنة)، كما حدث في تكريت من خلال فبركة أحداث لاصحة لها على ارض الواقع كمحاولة لإشعال فتنة طائفية ومناطقية بتشويه سمعة قواتنا الأمنية أمام الرأي العام العالمي، ويحاول داعش ان يكرر ذات السيناريو في الموصل التي يترقب الجميع ساعة الصفر للانطلاق الى تحريرها. والسؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا الانتصار الكبير للقوات العراقية في استعادة مدينة الرمادي التي تشكل المفتاح السوقي للعاصمة بغداد، عما اذا كان هذا الانتصار هو بداية النهاية لداعش وبدء العد التنازلي لأفول نجمه، وربما زواله ؟ والجواب عن هذا التساؤل تشير اليه جميع المعطيات على الأرض ابتداء من عملية تحرير وتطهير جرف "الصخر" وبعدها امرلي وصولا الى تكريت وبيجي وجبال مكحول وغيرها واخيرا الرمادي وستكون الموصل اخر المطاف، وكل تلك المعطيات تؤكد احتضار داعش وتلاشي قوته التي كان يمنّي النفس بها بان مايسمى بدولة الخلافة التي أسسها في العراق وسوريا هي "باقية" (إشارة الى القوة التي كان يتمتع بها بداية الأمر) وهي "تتمدد" (إشارة الى الدعم الإقليمي المتواصل له ناهيك عن حواضنه المحلية التي وفرت له أكثر من غطاء لوجستي وتكتيكي) إلا أن الأمر بدا بعد معركة الرمادي مختلفا لاسيما ونحن على أعتاب انتظار ساعة الصفر لتحرير ام الربيعين والانطلاق الى التطهير الكلي من الرجس الداعشي والتهيؤ لاستحقاقات مابعد داعش ومداواة جروحه العميقة في جسد الوطن كإعادة اعمار المناطق التي تضررت بفعل العمليات العسكرية وإعادة اللاجئين الى ديارهم والى حياتهم الطبيعية. كانت جرف "الصخر" تمثل خاصرة الإرهاب الداعشي في الفرات الأوسط لاسيما في بغداد وكربلاء وبابل وقد تم تامين هذه المدن خاصة العاصمة بغداد بعد القضاء على داعش وحواضنه في هذه الخاصرة، وذات السيناريو تكرر في الرمادي التي تعتبر خاصرة الارهاب الداعشي في الفرات الاعلى كونها تكتسب اهمية إستراتيجية مضاعفة لقربها مع جارتيها بغداد وكربلاء وحدودها الممتدة مع سوريا ما جعلها ضمن أهداف داعش لضمها إلى ما يسميه دولة "الخلافة"، كما يبقيها قريبة من خطوط الإمداد الموصولة بمعاقل داعش في الموصل والرقة، وهي بذلك تشكل ممراً أساسياً بين العاصمة بغداد وحدود العراق مع الأردن وسوريا فإن الموقع الإستراتيجي للرمادي ـ لاسيما امتدادها باتجاه الثرثارـ سيؤهلها لتكون بوابة النصر لتحرير الموصل. بالمقابل فقد جاء تحرير الرمادي في وقت حرج اقتصاديا بعد أن هبطت أسعار النفط إلى أدنى مستوى غير مسبوق ودون الاستعانة بأي جهد دولي كان مأمولا من المجتمع الدولي خاصة التحالف الستيني بقيادة الولايات المتحدة التي تدعي انها قامت بتنفيذ غارات لها على مواقع داعش منذ تموز الفائت لكن القوات المسلحة العراقية من جيش نظامي وجهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية وشرطة الانبار والتدخل السريع وصنوف المدفعية والدروع والجهد الهندسي والقوة الجوية وطيران الجيش والحشد الشعبي والعشائري كل تلك القوات البطلة استطاعت لوحدها ان تحقق نصرا قياسيا وفي ظروف سياسية / اقتصادية استثنائية أذهلت العالم كله الذي مازال يقف موقف المتفرج على حرائق داعش . كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- البيجر...والغرب الكافر