- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المخطوطات .. من التراث الحضاري للإسلام
حجم النص
بقلم:مهدي نعمه الجنابي إن قياس تقدم الأمم و الشعوب عبر التاريخ، يُحدد بمقدار ثقافتها و انجازاتها الفكرية، و إن انجازاتها الفكرية تقاس بما قد خلفته مِن تراث حضاري، و مادة هذا التراث هي الكتب التي حوت علوم وفكر تلك الأمم والتي انعكست من خلالها و كذلك المكتبات وما إلى ذلك من مؤسسات علمية و عِمارة (دينية أو مدنية) وفنون تطبيقية. ففي الحضارة الإسلامية كان وما يزال الاعتناء بالمقومات الحضارية من جُل اهتمامات المسلمين وخاصة زعمائهم و قادتهم مِن المفكرين و المنظّرين و القائمين على دور الكتب و خزائنها. فكان هذا هو السبب الرئيسي الذي حافظ على التراث الإسلامي العتيد مِن أن تطال له يد الضياع أو الاندثار، حيث مازالت الكثير من المكتبات الإسلامية و الغربية تحفظ لنا و لهذا اليوم بالكثير مِن الوثائق و المصوّرات و المخطوطات التي روت على صفحاتها أروع قصص الحضارة الإسلامية الإنسانية و علومها و آدابها، ناهيك عن روائع الخط العربي و التي تجسدت في أجمل ما دبجه يراع الخطاطين العظام، أمثال الوزير ابن مقلة و ابن البواب و ياقوت المستعصمي و غيرهم الكثير ضمن العصر العباسي و ما تلاه، في تمشيق الخطوط و تزويق الكتب و تنميقها و خاصة تلك التي تُهدى للخلفاء و الوزراء و الأمراء والسلاطين، والذي تجلا ذلك الاعتناء بشكل واضح كأبرز ما ظهر ضمن كِتابة كلمات رب العزة (القرآن المجيد) و المؤلفات العلمية و الأدبية وغيرها حيث تفتخر بحيازتها مكتبات و متاحف الغرب و الشرق. ولو قمنا بإجراء مسح بسيط لتراث الحضارة الإسلامية المخطوط منها، نجد أن حوالي اثنان إلى ثلاثة ملايين مخطوط إسلامي قد وصل لأيدي المُفهرسين و الباحثين اليوم، وهذا ما لم تتركه أي حضارة سابقة على الإسلام أو لاحقة، علماً أن معظمها لم يُدرس دراسة وافية بَعد. إننا اليوم بأشد الحاجة إلى تَعريف العالم بما نملك في بلادِنا العربية و منها العراق و مدينتنا كربلاء المعظّمة، مِن جزء بسيط لهذا التراث و الذي قد يكون غير معلوم أو مُشار إليه سابقاً. علماً بأن مثل هذه المشاريع الإحيائية للتراث قد سبق و أن عَمِل بعض الباحثين مِن المستشرقين والعرب عليها. وهنا أود التنويه بأن المخطوط الإسلامي ليس فقط ما قد كُتِب بلسان عربي ؛ حيث أن هذا المصطلح شامل لجميع الشعوب الإسلامية، فإلى جانب المخطوط العربي يقف المخطوط التركي و الفارسي و الهندي (المغولي) و الأفريقي و غيرها مِن الأمم التي تَديّنت بالإسلام، و الذي حَمَلَ كلٌ منها صفات خاصة في أسلوبه و آلياته من حيث نوع الخطوط المستخدمة (و تُسمى بالأقلام و منها خط النسخ و الثلث و الرقعة و الريحاني و التعليق وغيرها ويسبقها جميعاً الخط الكوفي بتفرعاتهِ العديدة و تشكيلاتهِ المُنوّعة) و الزخارف التي كانت لا تفارق تقريباً أي كتاب يُنجز و كذلك صناعته مِن حيث التجليد و الغلاف الخارجي و نوع الجِلود المُستخدمة تبعاً للأقاليم الإسلامية و عادات شعوبها و مورثها الحضاري الذي سبق الإسلام في بعض مناطق العالم الإسلامي. ولذا أوضح للقارئ الكريم أن من المفيد دائماً أن تكون نظرتنا للعالم الإسلامي عامةً و العربي خاصةً نظرة شاملة لأوسع المعاني بسبب سعته التاريخية و الجغرافية، نظراً لبعثرة مواد الفنون الإسلامية وبالخصوص المخطوط منها بين متاحف و أماكن تفصلها مسافات جغرافية بعيدة بعضها عن البعض، ولا يوجد في الواقع متحف أو مكتبة فيها مِن الغنى و الوفرة مِن المخطوطات ما يُعطي صورة كاملة للتطوّر الفني الحاصل في هذه النماذج مِن الآثار. إن المجموعات الخاصة و العامة مِن المخطوطات الإسلامية في مكتبات أوربا و مَتاحفها تكوّنت مِن خلال ما حصلت علية هذه المتاحف مِن البلاد الإسلامية في المشرق الإسلامي و مغربه. وكذلك من الكنوز التي بعثرتها الأيام في الكنائس و الأديرة و بيوت الأمراء و الملوك، أو مِن مشتريات السائحين الأوربيين أو مِن مجلوبات الخبراء والمستشرقين أو المولعين بأسرار الشرق وأثاره، منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. فبدأت تظهر مجموعة من المعارض المتخصصة لإبراز سمات المخطوط الإسلامي و فنون صناعته و تزويقه في عموم أوربا، حيث كان معرض مدينة ميونخ عام 1910 و باريس في الأعوام 1903 ـ 1907 ـ 1912 وفي برلين 1909 وفي فلادليفيا (الولايات المتحدة) 1926 و لندن 1906 ـ 1931 وغيرها، فكان لهذه المعارض غاية الأثر مِن خلال تحفيز بعض الدول العربية وغيرها منذ بدايات القرن العشرين للاهتمام بهذا الجانب مثل مصر و العراق و سوريا و إيران و تركيا مِن خلال إصدار دوريات و مجلات متخصصة في علم الآثار عامةً و المخطوطات خاصة، وتكلل ذلك في ولادة مجلة معهد المخطوطات العربية التي تصدر عن المعهد التابع لجامعة الدول العربية في القاهرة... وختاماً أشير إلى ضرورة الاهتمام بهذا التراث الخالد الذي قد يكون لازال قابعاً في خزائن كُتُب خاصة غير معرّف به أو مُشار إليه يطويه النسيان ويُتلفه الحدثان وبالتالي تُمحى صفحة مِن صَفَحات الإبداع الخطي و ألزُخرفي و النتاج الفكري الفذ، فلابد من تقديم يد العون و تسليط الضوء على تلك النفائس و الدُرّ كما حدث في معرض نفائس و مخطوطات الكفيل في الصحن العباسي الشريف أو مُتحف الحسين (ع). المصادر المعتمدة:ـ 1 / المخطوطات العراقية المرسومة في العصر العباسي ـ الدكتور خالد الجادر. 2 / بدائع الخط العربي ـ الدكتور ناجي زين الدين المصرف. 3 / روائع الخط العربي ـ الدكتور ناجي زين الدين المصرف.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً