- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إعفاء فئات من الضريبة؟ ام كسب اصوات في انتخابات قريبة؟
بقلم: بركات علي حمودي
في تصريح لأحد المسؤولین، فإن الحكومة العراقية عازمة على إلغاء الضرائب المفروضة على بعض الفئات من العاملین في القطاع الخاص؛ الأعم الأغلب من الناس، یتھرب من مؤسسات الضرائب، لأنھا بحسب نظر المواطن البسیط تأخذ ما لیس لھا حق من جیب ھذا المواطن، ولا یوجد ما یوازیه من خدمة، و بالطبع أنا من ھؤلاء الناس، بما أن حقبة ما بعد 2003، رسخت مفھوم الاشتراكية والاستھلاكیة في العقل الباطن للشعب!
لكن، في حقیقة الأمر أن الضرائب ھي العامل الأساسي تقریبا لرفد موازنات الاقتصادات الرصینة للدول التي تستخدم ھذه الأموال للصالح العام كمثل إقامة نظام صحي وتعلیمي متكامل یكون عماده ھو الاموال المستحصلة من (دافعي الضرائب)، لتكون بذلك موارد بعض الدول من الضرائب بقرابة 50 إلى 60% من موازنتھا السنویة.
وھنا اتساءل: على أي رؤیة اقتصادیة تلغي الحكومة الضرائب على بعض الفئات؟ الحكومة تدّعي شروعھا بالإصلاح الاقتصادي وتشكو من انحسار العملة المحلیة واكتنازه في المنازل بسبب عدم وجود ثقة للمواطن بالنظام المصرفي، وھي تسعى جاھدة لسحب ھذه الاموال كي تغطي عجزھا في السیولة.
كیف تقوم اذاً الحكومة بھكذا خطوة أقل ما یقال عنھا أنھا (شعبویة، انتخابیة) وتلغي مورد مالي شرعي للدولة وھو أفضل بالضرورة من (عدم شرعیة) الاستقطاع المالي من المعلمین والمدرسین كما حدث في ھذه الأیام مع حقوقھم المالیة الشھریة ؟!
القرارات الاقتصادیة الناجحة على الأمد الطویل، ھي القرارات الصعبة وھي القرارات التي تسبب الامتعاض الشعبي ضد حكومات لا تفكر بانتخابات بقدر تفكیرھا بایجاد اقتصاد رصین ویؤمن الاستقرار الاقتصادي لأمد طویل.
مثال ذلك، عندما قررت الحكومة السابقة ابسط ما یوصف بأنه (انتحار سیاسي وإنھاء مستقبلھا الانتخابي)، قامت برفع سعر صرف الدولار من 1180 إلى 1450، ذلك القرار الذي تسبب بغضب شعبي مع تحریض حزبي ضد رئيس لحكومة السابقة، لكن في الحقیقة فإن ھذا القرار وبمساعدة ارتفاع أسعار النفط مع إجراءات حكیمة، عززت الاحتیاطي النقدي والذھب إلى أرقام لم تصل إلیھا حكومة سبقتھا ولم یسبق لرئیس وزراء منتھیة ولایته، إن سلم ھكذا احتیاطي مریح (نقدي وذھب) إلى رئیس وزراء جدید كما حدث بین الكاظمي والسوداني.
إلا أن الحكومة الحالیة بمجرد استلام السلطة، فقد شھرت سیفھا بوجه الإصلاحات التي قامت بھا الحكومة السابقة، واعتبرھا رئیس الحكومة الحالي عندما كان نائبا معارضا للحكومة السابقة بأنھا إصلاحات تضر بالفقراء.
بذلك قامت مباشر ًة بخفض سعر صرف الدولار من 1450 إلى 1320، تجاھلاً لتحذیرات بعض الخبراء الاقتصادیین الذین حذروا من مغبة التلاعب بقیمة الدولار نزولاً عند رغبات شعبویة ! بذلك خسر اقتصاد الدولة 130 دینار في الدولار الواحد، وجردة حساب بسیط فأن البنك المركزي یبیع یومیا ما لا یقل عن 200 ملیون دولار، بمعنى اننا امام ملیار دولار اسبوعیاً على الاقل، اي قرابة 55 ملیار دولار سنویاً من مبیعات الدولار، معنى ذلك أن الاقتصاد العراقي قد خسر سنویا على أقل تقدیر قرابة 8 ملیار دولار بسبب الفارق بین السعر القدیم 1450 وبین السعر الحالي 1320 !
ھذا الإجراء، ادى إلى انفلات السعر الرسمي منذ قرابة عام ونصف، وبذلك فإن الفارق الحالي بین السعر الرسمي عن الموازي المنفلت ھو قرابة 200 دیناراً للدولار الواحد؛ خلق ھذا الانفلات في السوق، عدم القدرة على السیطرة على سعر الصرف، وبالنتیجة تخوف و قلق المستثمرین من الدخول إلى السوق العراقیة بسبب تذبذب أسعار الصرف وعدم ثباته، ومبعث القلق والخوف بسبب عدم وجود رؤیة اقتصادیة ثابتة وواضحة.
بالمحصلة، فإن خسارة 8 ملیارات دولار على اقل تقدیر، كان مانع طبیعي لعدم إقرار قوانین ومشاریع، منھا سُلّم الرواتب الذي كان یتغنى ویطالب السوداني به عندما كان نائبا في البرلمان مناغیاً طبقة الموظفین في وقتھا، سُلّم الرواتب حینھا كان یحتاج الى 12 إلى 13 تریلیون دینار سنویاً، وھو بطبیعة الحال المبلغ الذي یوازي الخسارة السنویة التي حصلت نتیجة قرار خفض سعر صرف الدولار وھي 8 ملیارات دولار على أقل تقدیر.
اخیراً، ان الاقتصاد العراقي یعیش في حالة شبیھة، بمحل بقالة بدائي، یقوم القائمون علیه ببیع السلع فیه، دون حساب قیمة الإیجار والكھرباء والماء وأجور العاملین وغیرھا من المصاریف، وبالتالي یخسر محل البقالة ھذا امواله بعد سنة او سنتین على أبعد تقدیر، وھذا ما یحدث مع اقتصادنا، الذي نبیع النفط فیه فقط ونوزعه رواتباً على الناس، دون إیجاد منافذ اقتصادیة شرعیة وإصلاحات حقیقیة، نُدَعّم بھا الاقتصاد غیر اللجوء إلى الاستقطاع من فقراء التربویین و ربما غیرھم دون اي تشریع قانوني لذلك، وبالتزامن مع كسب ود فئات اخرى عبر الغاء الضرائب أو اعانة اجتماعیة او تعیینات فوضویة علیھم قبیل موعد الانتخابات، لتكون بذلك أساس لتركة ثقیلة للحكومة القادمة !
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- جدلية الاختصاص في ابرام الاتفاقيات القضائية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)