- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء السادس عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
د- الأمم المتحدة وسرقة الاموال العراقية
لم يكتفي مجلس الامن التابع للأمم المتحدة من اعلان الحرب على العراق عام 1991 بل أضفى بالشرعية أيضا على هدر وتبذير المليارات من أموال الشعب العراقي التي كانت بعهدته وتحت تصرفه ضمن ما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء من جهة ولجنة التعويضات الأممية من جهة اخرى (انظر للمزيد كتاب محمد علي الجزائري, 2011 – حرب النفط واليورانيوم, جريمة العصر. دار السلام, بيروت, لبنان. 336 صفحة).
ورغم إصدار الأمم المتحدة لبرنامج النفط مقابل الغذاء عام 1995 وإعلانها بأنه برنامج إنساني وخطوة في طريق تحسين الأوضاع المعيشية للشعب العراقي في حينها إلا أن الحقيقة كانت بعيدة جداً عن هذا الادعاء. فإضافة إلى الاختلاس والتلاعب وسوء التصرف بالأموال العراقية ضمن هذا البرنامج فانه لم يكن برنامج مساعدة من الأمم المتحدة للشعب العراقي كما يظن الكثيرين. فالأموال العراقية الناتجة من بيع النفط العراقي والموضوعة تحت إشراف الأمم المتحدة هي التي استعملت في شراء ما كان يصل الى العراق من مواد غذائية وطبية وضرورية. كما إن رواتب موظفي الأمم المتحدة العاملين ضمن هذا البرنامج أو البرامج الأخرى كلجنة التعويضات أضافة إلى جميع مصاريفهم من الإقامة في أفضل الفنادق وأفخمها والسفر في درجة رجال الأعمال وغيرها وحتى التقرير الذي طلبته الأمم المتحدة للكشف عن سوء استعمال الأموال العراقية من قبلها كانت كلها مدفوعة من الأموال العراقية الخالصة.
حيث قامت لجنة مستقلة عن الأمم المتحدة برئاسة بول فولكر بعمل تحقيق استمر عاماً واحداً حول المخالفات والفساد المالي التي تمت ضمن هذا البرنامج واطلعت على تحقيقات لجنة الرقابة المالية الداخلية للأمم المتحدة الخاصة بهذا البرنامج للفترة من عام 1999 ولغاية عام 2004. وقدمت اللجنة تقريرها في عام 2005 وخلص التقرير إلى وجود فساد وتلاعب بالأموال العراقية.
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى إن كلفة التقرير الاخير ومن ضمنها رواتب اللجنة التي قامت به ومصاريفها العامة بلغت (35) مليون دولار دفعت من أموال النفط العراقية الموجودة لدى الأمم المتحدة وهذا ما لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة. لقد كان من المفترض أن تدفع الأمم المتحدة نفسها تكاليف عمل التقرير ومصاريف اللجنة المكلفة به لأنه دراسة وتحقيق جاء بناءا على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة في وقتها (كوفي عنان) وكان يدور حول عمل ونشاط موظفي الأمم المتحدة العاملين في برنامج النفط مقابل الغذاء وكيفية التصرف بالأموال العراقية التي تشرف عليها الأمم المتحدة. فعلاوة على سرقة ونهب الأموال العراقية من قبل الأمم المتحدة فان العراق دفع أيضا ثمن التحقيقات التي أمرت بها الأمم المتحدة لمعرفة طرق وأساليب سرقة أمواله من قبل موظفيها!
أما لجنة التعويضات فقد تم اقتراحها بقرار من مجلس الأمن رقم (687) والصادر في 3 نيسان عام 1991 وتم إنشاءها بقرار مجلس الأمن المرقم (692) والصادر في 20 مايس من عام 1991 وهي لجنة ترتبط مباشرة بمجلس الأمن. وكان واجب اللجنة هو القيام بدراسة وتدقيق الطلبات والشكاوى المقدمة ضد العراق ودفع التعويضات في حالة صحة الدعوة إلى الدول والمؤسسات والشركات والأشخاص المتضررين من دخول القوات الصدامية للكويت إضافة إلى دفع تعويضات عن الضرر الحاصل للبيئة ولمصادر الثروة الطبيعية. وخصصت الأمم المتحدة مبلغاً يعادل (30%) من واردات بيع النفط العراقي ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء (أي منذ عام 1996) لدفع هذه التعويضات. ودفع العراق تعويضات كبيرة جدا بلغت للكويت فقط (52.4) مليار دولار أمريكي تم تسليمها على شكل دفعات كانت آخرها في 21/12/2021 وبذلك صادق مجلس الامن الدولي يوم 22/2/2022 على انهاء عمل لجنة التعويضات وخروج العراق من طائلة البند السابع وذلك بعد مرور (25) عاما من عمل اللجنة.
وكما هو الحال مع برنامج النفط مقابل الغذاء فقد شاب لجنة التعويضات الكثير من الفساد المالي والتبذير إذ تم دفع تعويضات حتى لجمعية الطيور البريطانية بينما الشعب العراقي يعاني الحرمان والفقر ونقص الادوية والأمراض وموت مئات الأطفال يومياً نتيجة الامراض والجوع. ولم يتطرق الإعلام الغربي ولا العربي إلا نادرا عن هذه المؤسسة الأممية والموجهة من قبل أمريكا وعن مدى شرعيتها القانونية أو عن ممارساتها المشكوك فيها بالرغم من إنها تصرفت بمبالغ مالية طائلة بلغت (30%) من الموارد المالية النفطية العراقية ولمدة (25) سنة. وبسبب شبهات الفساد, طلبت الأمم المتحدة عمل تقرير يتعلق بعمل لجنة التعويضات أجري تحت إشراف البريطاني دافيد وودورد تم نشره عام 1998.
واظهر التقرير إن لجنة التعويضات قامت بتبذير الأموال العراقية ودفع تعويضات بدون مستندات وارتفاع قيمة التعويضات المدفوعة عن القيمة الحقيقية ودفع تعويضات مكررة للسبب نفسه. وأشار التقرير إلى أن لجنة التعويضات (لم تقم بدراسة إضافية من اجل تقييم الأضرار المالية الناتجة عن أخطاء مشخصة بالنظر للتأثير المحتمل لهذه الأخطاء على قيمة التعويضات).
إن الأمم المتحدة ساهمت اذن بشكل فعال من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء ولجنة التعويضات في هدر وتبذير الاموال العراقية التي كانت بعهدتها وتحت هيمنتها من دون وجه حق في وقت كان الشعب العراقي في أمس الحاجة لتلك الاموال. كما أنه لم يتم استرجاع هذه الاموال العراقية المسروقة والمنهوبة والمهدورة, حتى الوقت الحاضر, والتي اثبتتها التقارير الاممية ولم يتم محاسبة ومحاكمة الموظفين الامميين المسؤولين عن هذه الجرائم ولا الجرائم التي ارتكبتها القوات البريطانية والامريكية المحتلة وشركاتها الامنية في العراق.
هـ- انتهاك الحقوق الاساسية للشعب العراقي
اضافة الى ما ذكر اعلاه شاركت الامم المتحدة في إدامة المعاناة والمأساة الإنسانية في العراق عن طريق القرارات الظالمة التي أصدرتها خلال فترة الحصار ضاربة عرض الحائط بالعديد من المعاهدات والمواثيق الدولية التي تضمن الحقوق الأساسية للأفراد والشعوب في حالة الحروب. وذكرت وزارة الخارجية الصينية (وفقا للتقارير وعلى مدى العقدين الماضيين شنت أمريكا أكثر من (90.000) غارة جوية في دول بينها العراق وأفغانستان وسوريا والتي قتلت حوالي (48.000) مدني لكن الجيش الامريكي كتم الوقائع مرارا وتكرارا ورفض الاعتراف أو الاعتذار عن جرائمه ومحاسبة مرتكبيها). وفي نفس الوقت تحكم أمريكا على شرطي أمريكي بالسجن سنة واحدة مع النفاذ وأكثر من أربع سنوات سجن مع وقف التنفيذ لقتله كلبا والادلاء بافادات كاذبة حول ملابسات نفوق الحيوان. ان هذا يذكرنا بقول الشاعر أديب اسحاق :
قـتـل امـرئٍ فـي غابةٍ جــريـمـةٌ لا تُـغـتَـفـر
وقـــتـــل شــعــبٍ آمــنٍ مــسـأَلةٌ فـيـهـا نـظـر
كما إن موضوع تلوث الإنسان والبيئة العراقية باليورانيوم المنضب لم يلقى سابقا ولا حاضرا إلا اهتماما لا قيمة له من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية المدافعة عن حقوق الانسان والمرأة والاطفال رغم إن اليورانيوم عنصر سام بطبعه الكيمياوي وقدرته على التركيز في بعض أعضاء الجسم وكونه عنصر مشع خطير يصدر عنه بشكل اساسي اشعة الفا المؤينة أضافة الى نصف عمره المشع الطويل (4,5 مليار سنة).
حيث استعملت القوات الأمريكية ما بين (470) الى (2000) طن من اليورانيوم المنضب خلال حرب عام 1991 و 2003 حسب تقارير الامم المتحدة وهو عتاد قاتل له تأثير ضار جدا على الصحة الإنسانية وعلى البيئة أثبتته العديد من الدراسات العلمية وكان من المفترض بالأمم المتحدة ومنظماتها المعنية بالموضوع كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الطاقة الذرية ومنظمة رعاية الطفولة وغيرها أن تلعب دورا مهما في مجال التعريف بتأثير اليورانيوم والقيام بالدراسات الضرورية في المجال الصحي والبيئي في العراق والمساعدة في إيجاد الحلول الناجعة لجريمة العصر هذه.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟