بيان وزراء الخارجية في مجلس التعاون الخليجي بشأن إلغاء اتفاقية خور عبدالله بين العراق والكويت، قابله مراقبون بشيء من القلق حول مستقبل العلاقات العراقية الخليجية، وإمكانية مطالبة الكويت بإعادة العراق تحت الوصاية الدولية، في ظل ضعف العراق الذي قد لا يسمح له بالدخول في مشاكل مع دول الجوار.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن "أي أزمة للعراق على المستوى الداخلي أو الخارجي ليست بصالح العراق، خصوصا وأنه يمر حاليا بفترة نقاهة، فأي مشكلة مع أي دولة من دول الجوار، لن تكون بصالحه، وقرار المحكمة الاتحادية العليا سبب مشكلة للعراق مع الكويت".
ويضيف الدعمي، أن "خور عبدالله عراقي، وتم سلبه بسبب فساد الطبقة السياسية الحاكمة في العراق ذي الموقف الضعيف أمام المجتمع الدولي الذي يعتبره دولة غير مرغوب فيها"، مبينا أن "قرار المحكمة الاتحادية العليا جاء ليس لرفض الاتفاقية، وإنما لرفض آلية تصويت مجلس النواب على الاتفاقية".
ويشير إلى أن "البرلمان بإمكانه الآن، وخاصة الكتل السياسية التي صوتت لصالح الكويت سابقا، بإمكانه التصويت مجددا على الاتفاقية، وقد تدفع هنا الكويت أتاوات إضافية، كما دفعت في السابق لبعض السياسيين مثلما سمعنا"، متابعا "قد نشهد في الأيام المقبلة تغيرا في التعامل الدولي مع العراق على إثر عدم التزامه بالاتفاقيات الدولية".
وكان وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، أصدروا يوم أمس الإثنين، بيانا حول قرار المحكمة الاتحادية بشأن اتفاقية خور عبدالله، وشددوا فيه على ضرورة اتخاذ العراق خطوات جادة وعاجلة لمعالجة الآثار السلبية لهذه التطورات، والتي ترتبت على حكم المحكمة الاتحادية العليا، وما تضمنه الحكم من "حيثيات تاريخية غير دقيقة خارج السياق، بشأن الاتفاقية المبرمة عام 2012 (بين الطرفين)"، والمتعلقة بتنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، والتي تم التصديق عليها من قبل الجانب العراقي عام 2013 وإيداعها لدى الأمم المتحدة.
ووفقا للبيان فإن: هذه التطورات لا تخدم العلاقات مع دول مجلس التعاون، وتخالف المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن.
وكانت المحكمة الاتحادية، أًصدرت حكما مطلع الشهر الحالي، بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله رقم 42 لسنة 2013، وذلك لمخالفة أحكام المادة 61/ رابعاً من دستور جمهورية العراق التي نصت على تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب.
وتعد هذه الاتفاقية التي يطلق عليها "اتفاقية 2012"، وتحولت إلى قانون رقم 42 لسنة 2013، من أبرز الاتفاقيات التي تسببت بضياع حق العراق في خور عبدالله المشترك مع الكويت، ومنحت الجارة الجنوبية، مساحة كبيرة على حساب المياه العراقية.
من جهته، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن "إثارة قضية خور عبدالله بعد سنوات طويلة، يبين وجود أجندة سياسية داخلية وخارجية تجاه ترتيبات العراق السابقة، على مستوى هذه الاتفاقية أو على اتفاق ترسيم الحدود، وهذا ينسف كل الاتفاقات السابقة التي أقرها مجلس النواب من الاتفاقات الدولية".
ويبين الشمري، أن "هذا الأمر ستكون له تداعيات على صورة العراق وعدم التزامه بالقرارات الدولية، ولذلك ورغم الأجواء الإيجابية ما بين العراق والكويت، إلا أن قرار المحكمة الاتحادية أثر بشكل كبير جدا على هذه العلاقة، وبالتالي فإن الكويت مضطرة إلى العودة لمنظومتها الخليجية أولا، والعربية والدولية ثانيا".
ويتابع أن "بيان مجلس التعاون الخليجي هو رسالة إلى العراق، بأن يلتزم بالاتفاقات الدولية، وأن لا يكون منطقة لتهديد دول الجوار، خصوصاً وأن هذا القرار يعيد مرة أخرى تلك الاتهامات على بعض الجماعات التي قصفت مصافي أرامكو وهددت بقصف الإمارات وأيضا حاولت تحشيد جمهور على حدود الكويت، وهذا يؤثر على العراق على مختلف الأصعدة".
ويؤكد أن "البيان الخليجي يؤكد أنه إذا لم يتم الالتزام بالقوانين والاتفاقيات الدولية من قبل العراق، فستكون هناك عودة لمجلس الأمن الدولي، وهنا سوف تكون الحكومة العراقية في موقف حرج جداً، وصمتها لن يكون مبررا، وفي هذه الحالة أي مع غياب موقف بغداد الرسمي، فإن الكويت قد تمضي نحو مجلس الأمن الدولي من أجل إعادة العراق لطائلة البند السابع".
يشار إلى أنه بين عامي 2008- 2010، أعدت وزارة النقل خطة "المبادلة" مع الكويت بغرض ترسيم الحدود البحرية، وبموجب هذه الاتفاقية، فإن العراق منح الكويت السيطرة التامة على أغلب المياه.
وأواخر العام 2021، أثيرت قضية إنشاء الكويت لجزر اصطناعية بغية تقريب حدودها والسيطرة على مدخل خور عبدالله، وهو ما لم يتحرك بشأنه العراق دوليا، بل قدمت الكويت حدودها الجديدة للأمم المتحدة لغرض إقرارها، دون تحرك ضدها من قبل العراق.
وتم تحديد العلامات البحرية في خور عبدالله، بين العراق والكويت، وفقا لقرار رقم 833 لسنة 1993، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وتم تقسيم خور عبدالله مناصفة بين العراق والكويت، فالحدود تبدأ من العلامة 107 الى 110 وتمثل خط الساحل بين الجانبين، أي تكون المياه للعراق واليابسة للكويت، ومن النقطة 111 إلى 134 هو خور شيطانة، وتمثل خط التالوك لمجرى الينابيع العذبة، وبالتالي أصبح المجال البحري للعراق أكبر من مجال الجانب الكويتي، ومن النقطة 134 إلى 162 هو خور عبدالله، ويكون مناصفة بين العراق والكويت، أي الجزء الشمالي للعراق والجنوبي للكويت. فيما ترك القرار، ما بعد العلامة 162، ولم يرسمها، ورهن تحديدها بمفاوضات بين العراق والكويت.
في المقابل، يرى الخبير القانوني سالم حواس، أن "بيان مجلس التعاون الخليجي هو بيان سياسي ويحمل أجندة سياسية، وليس فيه أي شيء قانوني يلزم العراق، فالعراق ملتزم بما جاء في قرار المحكمة الاتحادية فقط".
ويردف أن "الكويت يحق لها اللجوء إلى محكمة البحار الدولية، وما يصدر من قرار لهذه المحكمة سيكون ملزم التطبيق للعراق مهما كان، كونه قرارا دوليا واجب التنفيذ، كما يحق للكويت التحرك نحو مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار دولي بشأن عدم التزام العراق باتفاق خور عبدالله بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا".
ويستطرد "قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن اتفاق خور عبدالله، كان قرارا دستوريا وقانونيا، ولا ينطوي على أجندة سياسية، وهو قرار صائب، لكن في نفس الوقت، ينبغي على الحكومة العراقية التحرك نحو الكويت لحل هذا الملف وفق اتفاق جديد يتم التصويت إليه بأغلبية أعضاء مجلس النواب".
وأواخر العام الماضي، سلم السفير الكويتي في بغداد طارق الفرج، وزارة الخارجية العراقية، مذكرة احتجاج بشأن قيام ثلاث قطع بحرية عراقية بتجاوز المياه الإقليمية لدولة الكويت، ومطالبتها بسحب هذه القطع فورا خارج المياه الإقليمية.
وجاء التحرك الكويتي آنذاك، بعد أن كشف وزير النقل الأسبق عامر عبد الجبار، عن تجاوز خفر السواحل الكويتي على الحفارة العراقية "ذي قار" داخل خور عبدالله.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟