أشّر مراقبون وقوع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تناقض بالتصريحات حول ملف إخراج القوات الأمريكية من العراق، ففي الوقت الذي كان يؤكد فيه بقاء تلك القوات بصفة مستشارين، صرح من جانب آخر لوسائل إعلام إيرانية سعيه لإنهاء وجودها، في محاولة لكسب التأييد الإيراني، وفيما قللوا من أهمية التصريح وعدم تعاطي واشنطن معه، برره مقرب من الإطار بأنه يشير إلى استمرار المفاوضات.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، إن "تصريح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشأن إخراج القوات الأجنبية من العراق، هو رسالة إلى ايران، بأن حكومته ستعمل على إخراج القوات الأمريكية من العراق، ومحاولة من أجل كسب المزيد من الرضا الإيراني، ومنع أي حالة استياء ضد حكومته، خصوصاً وأن طهران تركز على ملف اخراج القوات الأمريكية".
ويضيف الشمري، أن "هناك تباينا وتناقضا كبيرا جدا ما بين تصريحات السوداني وما بين البيان الرسمي المشترك، الذي صدر بعد زيارة الوفد العسكري إلى واشنطن، حيث أكد البيان على التعاون ووجود القوات الأمريكية في العراق بصفة استشارية"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة لا تتعاطى مع هكذا تصريحات، باعتبار انها أعلنت وبشكل رسمي بقاءها في العراق، وتعمل على تطوير الاتفاقية الأمنية بشكل أكبر، وأنها مستمرة في تقديم الاستشارة والدعم بكل المستويات، لذلك فإن تصريح السوداني لن يكون له مساحة ولن ينعكس على موقف الولايات المتحدة، والتي أبلغت العراق بأنها لن تنسحب".
وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، استقبل الجمعة (8 ايلول 2023)، وفدا من الصحفيين والإعلاميين الإيرانيين، وفي اليوم التالي بدأت وكالات الأنباء الإيرانية بنشر حوارها مع السوداني.
ومن جملة الوكالات الإيرانية التي نشرت حوارها مع السوداني، كانت وكالة تسنيم، التي نقلت عن السوداني قوله إن تواجد قوات التحالف الدولي في العراق منذ العام 2014، يعد من القضايا المهمة والحساسة التي يجب تحديد مصيرها، وأنه يحق للحكومة، نيابة عن كافة المجموعات السياسية في العراق، بحث إزالة هذا الوجود (التحالف الدولي) وصياغة خطة من أجل ذلك.
كما عرج السوداني على زيارة الوفد العسكري العراقي إلى الولايات المتحدة، خلال حديثه لوسائل الإعلام الإيرانية، بحسب ما نقلت الوكالة، أن "وزير الدفاع العراقي زار واشنطن لإجراء مفاوضات بشأن خروج القوات الأجنبية من العراق".
يذكر أن وفدا عسكريا، برئاسة وزير الدفاع ثابت محمد العباسي زار الولايات المتحدة مطلع آب الماضي، بدعوة رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ويضم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يار الله، و نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن قيس المحمداوي وعدداً من المستشارين والضباط.
وبحسب البيان الرسمي العراقي آنذاك قبيل زيارة الوفد، فإن الوفد سيناقش العلاقة المستقبلية لتواجد التحالف الدولي، والتعاون الأمني الثنائي بين العراق والولايات المتحدة، وتبادل الخبرات والمعلومات خاصة في الجانب الاستخباري في ملاحقة ما تبقى من عناصر داعش.
ووفقا للبيان المشترك، الذي صدر عقب المباحثات، فأنه أنتهى بتوقيع محضر الاجتماع الذي أكد على الالتزام الثنائي بالتعاون الأمني والدفاعي المستمر في جميع المجالات، بما في ذلك مهمة القضاء على تنظيم داعش التي يقودها العراق.
يذكر أن ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، كان من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، فيما اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون، بهدنة أمريكية إيرانية، بالإضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.
من جهته، يبين الخبير في الشأن الأمني مؤيد الجحيشي، أن "تصريح السوداني يأتي من أجل تخفيف الضغط عليه من قبل الفصائل الموالية لإيران وكذلك الضغط الإيراني بشأن جدولة إخراج القوات الامريكية من العراق، فهناك ضغوطات كبيرة تمارس عليه في هذا الملف".
ويؤكد أن "السوداني أكد بأكثر من حديث سابق أن العراق ما زال بحاجة إلى الخبراء الدوليين في التدريب والاستشارة، وهذا يعني أن القوات الامريكية باقية في العراق ولا نية لاخرجها بشكل حقيقي"، مضيفا أن "الحكومة العراقية غير قادرة على فرض قضية إخراج القوات الامريكية من العراق، فهي تدرك أن ذلك صعب جداً عليها، خصوصاً وأن الولايات المتحدة لا تريد الانسحاب من العراق، بل هي تعمل على تعزيز وجودها وتقليل الدور والنفوذ الإيراني".
ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار 2021.
في المقابل، يرى المحلل السياسي المقرب الإطار التنسيقي علي فضل الله، أن "تصريح السوداني، بشأن إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة لاخراج القوات الامريكية، دون كشف نتائج تلك المفاوضات من قبل السوداني، يؤكد أن المفاوضات لم تأتي بثمارها، والرسالة واضحة بأن العراق جاد بقضية التفاوض وإخراج القوات الأمريكية".
ويتابع أن "الجميع يعرف قوة القرار الأمريكي الدولي على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، وهذا الأمر يراعى من قبل حكومة السوداني، كما أن الحكومة الحالية تعيش حالة من الاستقرار ولا تريد إدخال العراق بأي أزمة جديدة على المستوى الدولي مع الجانب الأمريكي، لكن هي في نفس الوقت ترسل رسائل على أن العراق مستمر بملف إخراج القوات الأجنبية، لكن الموضوع بحاجة إلى وقت ليس بالقليل".
وكان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، زار بغداد مطلع آذار الماضي، والتقى السوداني، وقد كشفت وكالة رويترز، في حينها، نقلا عن مسؤول أمريكي قوله، إن الهدف من زيارة أوستن إلى بغداد هي الإبلاغ بأن واشنطن ليست مهتمة فقط بالجانب العسكري، لكنها ترغب بشكل كبير بإقامة شراكة إستراتيجية كاملة مع الحكومة العراقية، وأن قواتها باقية في العراق.
يشار إلى أن المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، زار بغداد أيضا إلى في 16 كانون الثاني الماضي، وعقد اجتماعات مع مختلف السياسيين، وأولهم رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ومن ثم زار أربيل.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- الألغام.. عشرات الآلاف من الضحايا وملف التطهير مازال عصيا
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟