بقلم: عبود مزهر الكرخي
الحرب على الفساد والمفسدين
الدكتور حيدر العبادي
لقد تعمدت كتابة لقبك العلمي قبل منصبك الوظيفي والتي في وقتنا الحالي يتم تأطيره بالقاب فخامة مثل فخامة وسيادة...الخ والتي يبدو أنها عودة لحكم الملوك والأباطرة والتي في حقيقة الأمر ان منصبك ومنصب رئيس الجمهورية هو يتم تعريفه عن طريق الدستور بانه اكبر خادم للشعب أي أن مناصب الحكومة والبرلمان وفي كل السلطات الثلاث هي مناصب خدمية للشعب والبلد وهذا ما تنص كل الدساتير العالمية في العالم وحتى القوانين الدنيوية والشرائع السماوية ومن يقول غير ذلك فليراجع رسالة الأمام امير المؤمنين (ع) إلى عامله في مصر مالك الأشتر والتي اعتمدت من قبل الأمم المتحدة كأعظم رسالة في حقوق الإنسان وهذا الكتاب من أهم وأطول كتب أمير المؤمنين عليه السلام. وكان عهد الإمام إلى الأشتر يهدف إلى التأسيس لنظام إداري وحقوقي على الصعيد الإسلامي يبدأ من الحاكم نفسه. اعتمدت الرسالة في الأمم المتحدة كونها من أوائل الرسائل الحقوقية والتي تحدد الحقوق الواجبات بين الدولة والشعب؛ هذا العهد وصل إلى أذن الأمين العام للأُمم المتحدة عبر زوجته السويدية(1)، وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة: إنّ هذه العبارة من العهد يجب أن تعلّق على كلّ المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة هي: "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننَّ عليهم سَبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"(2)، وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية عهد الإمام لمالك الأشتر، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرّت لمدّة سنتين في الأمم المتحدة صوّتت غالبية دول العالم على كون عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي(3)وقد تمّ بعد ذلك إضافة فقرات أُخرى من نهج البلاغة غير عهد علي بن أبي طالب لمالك الأشتر كمصادر للقانون الدولي.
والتي حتماً كان لك اطلاع عليها لتذكر بما يتصف عليه الحاكم العادل والتي كلنا نقول بأننا شيعة ونسير على مبادئ ونهج الصديق الأكبر والفاروق الأعظم سيدي ومولاي ابي تراب (روحي له الفداء) كما كان يحب أن يكنى به لأنه كناه بذلك نبينا الأكرم محمد(ص).
ولنرجع عنوان مقالي هو الحرب على الفساد والمفسدين ولم اعطي عنوان مقالي بمكافحة الفساد أو التغيير او الإصلاح...الخ لأنه الفساد اصبح خطر يهد العراق وشعبه حاله خطر داعش الذي تخلص منه والحمد لله ولو ان القضاء على الإرهاب والدواعش مازال الكلام فيه بقية ويحتاج إلى وقت لكن هذا ليس موضوعنا ولا نريد الولوج فيه. فالحرب على الفساد والمفسدين هي تمثل حرب حالها حال الحرب على الدواعش والإرهاب وهم يسيرون في نفس الاتجاه في تدمير العراق والعراقيين أن لم يكن الفساد والمفسدين هم أكثر خطراً وأشد ضراوة من الإرهاب. وهذا ما اشارت مرجعيتنا الرشيدة في خطبتها الأخيرة يوم الجمعة الماضية لتقول " إن المعركة ضد الفساد ـ التي تأخرت طويلاً ـ لا تقلّ ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى " ولهذا كان توجيهات المرجعية في هذا الأمر الخطير والمهم وفي نفس الخطبة لتقول " ان التحرك بشكل جدي وفعال لمواجهة الفساد والمفسدين يعدّ من اولويات المرحلة المقبلة، فلا بد من مكافحة الفساد المالي والاداري بكل حزم وقوة من خلال تفعيل الاطر القانونية وبخطط عملية وواقعية بعيداً عن الاجراءات الشكلية والاستعراضية ". وهي إشارة من المرجعية العليا لتنتقد طريقة الحكومة في مكافحة الفساد وتصفها بالشكلية والاستعراضية. وهذا هو الواقع أذ ان الكل يجب ان يتجه الى محاربة الفساد وبضمنها الأقلام الحرة والنزيهة وليست المأجورة والتي تعمل لصالح الأحزاب الفاسدة وحيتانها الفاسدة لمحاربة الفاسدين بعد ان كانت البنادق وكل الجهود متوجهة صوب داعش فالمعركة واحدة وهي تهدد مستقبل اجيالنا القادمة.
وبالرغم من دعوة العبادي للحرب على الفساد والقضاء والتي جاءت بعد يوم النصر والقضاء على داعش ببيان النصر إلا أننا لم نلاحظ اتخاذ اي إجراءات جدية في هذا المجال والتي كانت كلها تصريحات وكلام ولم تتخذ سبيل الأجراء الفعلي والواقعي وهذا مما حدا بصدور توجيهات المرجعية حول الحرب على الفساد والتي وصفتها بالشكلية والاستعراضية.
ومن هنا فعلى د. العبادي وكل الحكومة وحتى السلطة التشريعية والقضاء القيام بجملة إجراءات جدية وفعالة وبجهود جبارة تواز ماقامت به الحكومة في محاربة الدواعش بل وتفوق على ذلك لأن محاربة الفساد والفاسدين يتم من داخل منظومة الحكم في البلد كما أن حيتان الفساد الكبيرة ومن ورائهم أحزابهم الكبيرة الفاسدة والتي هي في الحكم الآن والتي تقود كل عمليات الفساد المكاتب الاقتصادية بكل حزب وهي عبارة عن امبراطوريات ضخمة تقود الفاسدين وعمليات الفساد بكل حرفية ومنهجية والتي أصبحت من القوة والقدرة بحيث أصبحت دويلات داخل الدولة العراقية وهذا يشكل اكبر خطر وتحدي للدولة وللحكومة والتي هم هؤلاء الفاسدين ومن وراءهم مكاتبهم الاقتصادية قادرة على مجابهة الدولة وبكل قوة وتحدي.
ومن هنا لزاماً على الحكومة وممثلة برئيس الوزراء الضرب وبيد من حديد وفرض هيبة وسلطة الدولة والقانون وبدون هوادة وسن التشريعات والقوانين التي تبيح للحكومة القيام بذلك وان تكون تلك الإجراءات حاسمة وسريعة وخاطفة والحرب في داخل أوكارهم العفنة والظلامية وعدم إعطاء أي فرصة لهؤلاء المجرمين الفاسدين بالهروب أو أتخاذ أي نفس لأن ذلك يؤدي إلى عدم فعالية هذه الحرب الضروس والشرسة ضد الفاسدين لتصبح كما وصفتها المرجعية في حالة عدم ذلك حرب شكلية واستعراضية والغاية دعاية انتخابية كما تفعل تلك الأحزاب والكتل السياسة في وقتنا الحالي. وهذا يتطلب وجود رجال وقادة على مستوى المسؤولية والجدارة ويكون ولاءهم الأول للعراق وشعبه وعلى قدر عالي من المهنية والحرفية والخبرة في هذا المجال سواء من الناحية الأمنية والقضائية والقدرة الاكاديمية في تدقيق كل ذلك وكشف كل حلقات الفساد والمفسدين وبكفاءة عالية في الوصول إلى لب الحقيقة ومصدر كل عمليات الفساد ليكون هناك جهد عالي وعلى مدار اليوم في متابعة الفساد والمفسدين وكشف كل الحلقات الخطرة وحركة الأموال وغسيلها لتتضح الصورة الكاملة أمام كل اللجان التحقيقية التي تقوم بذلك والتي تضم فيها هؤلاء الرجال الذين تم وصفهم.
وختاماً فإن الحرب الفساد والمفسدين هي حرب طويلة وشرسة وتتطلب جهود عالية وجبارة وليس حرب تصريحات وكلام وتسريب من وقت لأخر خبر من هنا وهناك وعدم معرفة مدى صحته وخلق الأجواء الضبابية حول هذه الحرب وخلط الأوراق وعدم معرفة مدى الجدية في هذه الحرب وكيف ومتى تتم لأنها من المبهمات والطلاسم التي لا يتم البوح لها للشعب، فيا رئيس الوزراء الشعب هو مصدر السلطات كما تقر به كل دساتير العالم وهو الحاكم الفعلي لكل مفردات الحكم في العراق فليكن لجوئك للشعب ومن بعدها المرجعية الرشيدة لأنها سوف تكون لك السند الحقيقي والضامن لكل ما تقوم به (أن قمت بذلك فعلاً) في محاربة الفساد والمفسدين ولاتعيد الخطأ نفسه عندما فوضك الشعب والمرجعية في القيام بالإصلاحات والتغيير قبل أكثر من سنتين ولكنك لم تقم بأي فعل يذكر والتزمت جانب الأحزاب الفاسدة التي انت أحد وعضو في تلك الأحزاب وفوت فرصة كبيرة وعظيمة للقيام بالإصلاحات والتغيير وبالتالي خسرت تأييد الشعب والمرجعية لتاتي هذه الفرصة الذهبية مرة أخرى ولا تجعل التاريخ يعيد نفسه كما يقال وتخسر كل ما قمت من إنجازات في محاربة الإرهاب والدواعش ولأن الشعب قد ملَّ من الوعود والتصريحات والتي أصبحت لا تنطلي عليه ويريد إجراءات واقعية وفعلية لأن سفينة العراق بدأت لفترة تسير في الاتجاه الصحيح فلا تقوم بحرفها وإدخالها إلى الدوامة القديمة والتي حذرنا منها مراراً وتكراراً ولكن لا حياة لمن تنادي وفي حالة جر هذه السفينة إلى تلك الدوامة فسيكون هناك مخاطر كبيرة ولا يحمد عقباها في حالة عودة السفينة إلى تلك الدوامة والتي ستكون أحد أسبابها المهمين في عودتها والتي ستذكرك الأجيال قادمة بأبشع الأوصاف والنعوت وأن التاريخ سوف لن يرحمك مطلقاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ الشيخ محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، 364.
2 ـ علي بن أبي طالب، نهج البلاغة، رسائل، رقم 53.
3 ـ الشيخ محمّد السند، بحوث معاصرة في الساحة الدولية، 365.
أقرأ ايضاً
- خارطة طريق السيد السيستاني
- خارطة طريق السيد السيستاني
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا