- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نظرة تاريخية على القضاء الدستوري في العراق
بقلم:القاضي المتقاعد فتحي الجواري
(الديوان العالي العثماني)
كما تعرفون ان العراق خضع لحكم الدولة العثمانية قرابة اربعة قرون من عام (1533) فعليا الى عام (1918)، ورسميا الى عام (1920). وبالتالي فانه خضع لقوانين تلك الدولة بطبيعة الحال.
وما يهمنا هنا ان نعرف شيئا عن القضاء الدستوري في تلك الدولة.
فمن بين الاصلاحات التي اعتمدتها تلك الدولة، كان تشريع دستور عام (1876)، الذي تضمن تشكيل (الديوان العالي) بموجب المواد من (الثانية والتسعين) الى المادة (الخامسة والتسعين) منه، متضمنة كيفية تشكيله، وواجباته.
تشكيله
يتشكل الديوان العالي من ثلاثين عضوا، حيث ينتخب عشرة منهم من بين اعضاء مجلس الاعيان، وعشرة من بين اعضاء مجلس شورى الدولة، وعشرة من بين رؤساء محكمتي التمييز والاستئناف واعضائهما.
ولاينعقد الديوان الا بارادة سنية يصدرها السلطان العثماني عند اللزوم ويكون انعقاده في هيئة مجلس الاعيان.
اختصاص الديوان العالي
يختص الديوان العالي بمحاكمة الوكلاء (الوزراء) ورؤساء محكمة التمييز واعضاءها ومحاكمة كل من اعتدى على السلطان، وحقوقه، او تعريض الدولة للخطر.
الاجراءات المتبعة في الديوان العالي
يقسم اعضاء الديوان العالي الى قسمين، او الى دائرتين، اولاهما الدائرة الاتهامية، وتضم تسعة اعضاء، ثلاثة من بين اعضاء مجلس الاعيان، وثلاثة من بين اعضاء محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف، وثلاثة من بين اعضاء مجلس شورى الدولة، ويتم انتخابهم من بين اعضاء الديوان العالي.
وتتولى الدائرة الاتهامية توجيه الاتهام باكثرية ثلثي اعضائها، للوكلاء (الوزراء) ولرؤساء محكمة التمييز واعضاءها، ولكل من اعتدى على السلطان، وحقوقه، او عرض الدولة للخطر.
اما القسم الثاني، او الدائرة القضائية، فهو (ديوان الحكم)، ويتالف من (21) عضوا ينتخبون من بين اعضاء المجلس العالي، سبعة من بين اعضاء مجلس الاعيان، وسبعة من بين رؤساء واعضاء محكمة التمييز ومحكمة الاستئناف، وسبعة من بين رؤساء واعضاء مجلس شورى الدولة، وهؤلاء يحكمون قطعيا في الدعاوى التي احالتها عليهم الدائرة الاتهامية، وقرارهم غير قابل للاستئناف او التمييز.
ولا يجوز لمن اشترك في الدائرة الاتهامية ان يشترك في ديوان الحكم، وبالعكس.
(المحكمة العليا)
تعتبر المحكمة العليا المنصوص عليها في القانون الاساسي العراقي لعام 1925 حارسة للدستور، الذي كان هو القانون الاعلى في المملكة العراقية، فهي (نظريا) تمثل الآلية الدستورية لصيانة حقوق الافراد المنصوص عليها في القانون الاساسي، من خلال ممارستها لإختصاصها القضائي، والتفسيري، والبت في مدى مطابقة القوانين، والأنظمة النافذة لاحكام القانون الاساسي.
سأوضح هنا اختصاص هذه المحكمة، وكيفية تشكيلها، مع ملاحظة ان مشرع (القانون الأساسي) أخذ بالاتجاه الامريكي، في قبوله ايجاد سلطة دستورية لها الحكم بإلغاء القوانين أن وجدت أنها مخالفة للقانون الاساسي.
اختصاصات المحكمة
بموجب حكم المادة (الحادية والثمانين) من القانون الاساسي العراقي لعام 1925 فقد تم تحديد واجبات المحكمة العليا بما يأتي:
الاختصاص القضائي ويتمثل بـ:
-1- محاكمة الوزراء، وأعضاء مجلس الأمة المتهمين بجرائم سياسية، او بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة.
-2- محاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة عن وظائفهم.
الاختصاص التفسيري ومدى مطابقة القوانين للقانون الاساسي ويتمثل بـ:
-1- تفسير القانون الاساسي.
-2- مدى موافقة القوانين الاخرى لأحكام القانون الاساسي.
تشكيل المحكمة
بموجب حكم الفقرة (3) من المادة (الثانية والثمانون) من القانون الأساسي تؤلف المحكمة من ثمانية أعضاء عدا الرئيس، ينتخبهم (مجلس الاعيان) اربعة من بين أعضائه، وأربعة من بين حكام محكمة التمييز، او غيرهم من كبار الحكام، وتنعقد برئاسة رئيس مجلس الاعيان، وفي حالة تعذر حضوره يترأس الجلسة نائبه.
الاجراءات
ان هذه المحكمة لاتمتلك الحرية في الانعقاد متى تطلب ذلك، أو حتى إن ارتأت هي ذلك، بل ان انعقادها مقيد ببعض الاجراءات، وكما يأتي:
-1- اجراء المحاكمة:
تحال القضية الى المحكمة العليا بناءأ على قرار اتهامي صادر من مجلس النواب بأكثرية ثلثي الآراء من بين اعضاء المجلس الحاضرين وفي كل قضية على حدة. ومن يصدر بحقه القرار الاتهامي من قبل مجلس النواب، فيجب ان ينحى عن العمل المكلف به فورا، ولا يمنع استقالته من عمله من محاكمته، ولا تقرر ادانة المتهم المحال على المحكمة الا بأكثرية ثلثي اعضاء المحكمة ، علما ان قرارات المحكمة قطعية.
-2- في الامور الأخرى:
يحال الموضوع الى المحكمة العليا بقرار من مجلس الوزراء، أو بقرار من مجلس الأمة.
-3- تفسير الدستور والبت بمدى دستورية القوانين النافذة:
اذا وجب البت في أمر يتعلق بتفسير أحكام القانون الاساسي، او البت بمدى دستورية القوانين النافذة فتجتمع المحكمة بارادة ملكية تصدر بموافقة مجلس الوزراء بعد أن يتم تشكيلها على وفق الفقرة (3) من المادة (الحادية والثمانين) من القانون الاساسي، اما اذا لم يكن مجلس الامة في دورة انعقاده، فيتم تشكيل المحكمة بقرار من مجلس الوزراء وارادة ملكية.
ان كل قرار يصدر عن المحكمة العليا ينص على مخالفة احد القوانين او احد نصوصه للقانون الأساسي يجب ان يصدر باكثرية ثلثي اعضاء المحكمة.
ان القانون او النص القانوني الذي تقرر المحكمة عدم دستوريته يعد ملغى اعتبارا من تاريخ صدور قرار المحكمة، وفي هذه الحالة يجب على الحكومة ان تشرع قانونا يكفل ازالة الاضرار التي تكون قد نتجت عن تطبيق تلك الاحكام الملغاة.
الديوان الخاص
يشكل الديوان الخاص بناءا على طلب الوزير المختص لتفسير احد القوانين، او الانظمة، او للبت فيما اذا كان احد الانظمة يخالف سنده الدستوري، برئاسة رئيس محكمة التمييز او نائبه عند تعذر حضوره، وثلاثة من اعضاء محكمة التمييز، وثلاثة من كبار الضباط اذا كان الامر يتعلق بالقوات المسلحة، او ثلاثة من كبار موظفي الادارة اذا تعلق الامر بالشؤون الادارية، ويصدر القرار من الديوان الخاص باكثرية ثلثي اعضائه، ويعد القانون او النص القانوني او النظام الذي قرر الديوان انه مخالف للقانون الاساسي ملغى من تاريخ صدور قرار الديوان.
انتقاد
-1- ان من عيوب المحكمة العليا انها لاتجتمع الا بقرار من السلطة التنفيذية. فهي على سبيل المثال لم تنعقد منذ نفاذ القانون الاساسي في 21 آذار 1925 الا لغرض واحد، وهو تفسير المادة (الخامسة والثلاثين) والمادة (الخمسين) من القانون الاساسي، وهما تتعلقان بموضوع استحقاق عضو مجلس الامة لمخصصاته، في حالة وفاة احدهم، او في حالة حل المجلس النيابي قبل اختتام دورته الاعتيادية، وهل يستحق العضو كل تلك المخصصات او قسما منها، فأعطت تلك المحكمة رأيا لهذا الموضوع أرتأت فيه ان تدفع تلك المخصصات بما يتناسب والمدة التي امضاها العضو قبل وفاته، او المدة التي امضاها العضو في المجلس قبل حله.
ان هذا العيب يؤدي الى استمرار السلطة التنفيذية، بخرق حقوق الشعب التي ضمنها القانون الاساسي، لأن المحكمة العليا لاتنعقد الا بقرار من السلطة التنفيذية، فهي معطلة ما لم تتدخل تلك السلطة لدعوتها للانعقاد، مما كان يقتضي تعديل القانون الاساسي لجعل تلك المحكمة مستقلة لكي تعمل بمقتضى مهامها الدستورية، وبالاخص بعد ان انتهى الانتداب البريطاني على العراق، ودخوله عضوا في عصبة الامم بتاريخ 3 تشرين الاول من عام 1932.
-2- كما ان من عيوب تلك المحكمة، تلك التي تجسدت بطريقة تشكيلها، وذلك بامكانية محاباتها لمن يحال عليها لمحاكمته وخاصة ان كان المحال عليها من بين اعضاء مجلس الامة او من بين حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناتجة عن وظائفهم.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري