حجم النص
د. رؤوف محمد علي الانصاري يجتاز النمو الحضري في البلدان المتقدمة مرحلة معكوسة... إذ يتجنب الناس سكنى مراكز المدن ويفضلون الابتعاد عنها والعيش في المناطق البعيدة المحيطة بهذه المدن... لاسيما وانه يمكنهم الارتباط الدائم بحياة المدينة عن طريق شبكات كثيفة ومتعددة للاتصالات والنقل... ونتيجة لذلك أقيمت العديد من المدن السكنية لتخفيف الضغط على الأحياء والتجمعات السكنية الكبيرة داخل المدن الرئيسية. ومن المشاريع السكنية الضخمة والحديثة التي تقام حالياً في العراق الذي سلطت عليه الاضواء خلال السنوات الاخيرة، هو: مشروع مدينة بسماية السكني الذي يقع الى الجنوب الشرقي من العاصمة بغداد بحوالي 10 كلم ، على الطريق الدولي الرابط بين بغداد ـ الكوت. ويضم هذا المشروع 100 ألف وحدة سكنية بالأضافة الى شبكة متكاملة من البنى التحتية كالكهرباء والمياه الصافية ومجاري الصرف الصحي وشوارع رئيسية وفرعية إضافة الى المرافق والخدمات العامة التي ستقوم الحكومة العراقية بإقامتها، كالمرافق التعليمية والدينية والترفيهية والتجارية ... وقد تحول هذا المشروع عند بداية تنفيذ مراحله الاولى من مشروع سكني استثماري ممول من قبل (شركة هانوا الكورية للهندسة والانشاءات) الى مشروع تموله الدولة العراقية... بسبب عدم اقدام الناس وتردد العديد منهم لشراء وحداته السكنية على رغم القرار الذي اتخذته الجهة المسؤولة عن هذا المشروع وهي: (الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق) بتخفيض قيمة الدفعة الاولى عند التسجيل لشراء وحداته السكنية. ويعتبر مشروع مدينة بسماية السكني من المشاريع الضخمة في منطقة الشرق الاوسط الذي خصصت له أموال طائلة دون أن يأخذ الوقت اللازم من الدراسة والبحث وعرضه على الخبراء والمختصين في مجال العمارة والتخطيط والاسكان لابداء آرائهم ومقترحاتهم عليه، لاسيما وان هناك ملاحظات مهمة على هذا المشروع منها: ـ أولاً : ان اقامة مدينة سكنية حديثة بهذا الحجم الضخم من وحداتها السكنية والمرافق والخدمات الملحقة بها وحصرها في منطقة واحدة لم يكن اختياراً موفقاً. ثانياً : ان احالة تصاميم هذا المشروع وتنفيذه من قبل جهة معينة وهي: (شركة هانوا الكورية للهندسة والانشاءات) التي ليست لديها الخبرة والمعرفة بطبيعة عادات وتقاليد المجتمع العراقي والبيئة العمرانية لهذا البلد... يُعد من الاخطاء التي ارتكبتها الجهة المسؤولة والمشرفة على هذا المشروع وهي: (الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق)... إذ لايمكن أن تكون (شركة هانوا الكورية للهندسة والانشاءات) هي الجهة الاستشارية الهندسية والمنفذة للمشروع في آن واحد... اذا ما علمنا ان هناك بعض الاخطاء الهندسية الموجودة في تصاميم الوحدات السكنية لهذا المشروع التي لاتنسجم مع التقاليد الاجتماعية في العراق... مثال على ذلك: مدخل الشقة السكنية يؤدي مباشرةً الى صالة الضيوف وهي في نفس الوقت غرفة المعيشة (جلوس العائلة)... دون أن يكون هناك فصل بين الحياة العامة والخاصة (وهو عزل المدخل المؤدي للشقة دون المرور بصالة الضيوف)... وهذا ينطبق على جميع نماذج الشقق في المشروع. نأمل أن يتم إعادة النظر في هذه التصاميم اذا ما علمنا بأن المشروع ما زال في مراحله الاولى. ثالثاً : ان مدينة بسماية السكنية ليست بعيدة عن مدينة الصدر التي تزدحم بالسكان، ويعيش معظم سكانها في ظروف اجتماعية وانسانية وخدمية وصحية وبيئية سيئة... بالاضافة الى مساكنها الرديئة في بنائها والتي تفتقد الى أبسط مقومات الحياة الحضارية... وشعور ابناء هذه المدينة بالظلم والتهميش نتيجة عدم اهتمام الاجهزة الرسمية لايجاد الحلول اللازمة لهذه المشكلة المزمنة التي تم تجاهلها لعقود طويلة، والتي تعتبر من أهم التحديات التي ستواجه الحكومات القادمة وتسبب لها مشاكل جمّة. ان استراتيجية الاسكان تعتبر من أهم الهياكل الاساسية لبناء الدولة والمجتمع، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتحضر والتمدن والأمن القومي وبعملية تطور المجتمعات بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية على مَرّ العصور، وان مفهوم التمدن في عالمنا المعاصر يُحتم على الدولة توفير السكن الملائم والمناسب للمواطنين خصوصاً الفقراء منهم وفق تسهيلات معينة. رابعاً : ان المشكلة التي يعاني منها العراق ولسنوات قادمة تكمن في توفير السكن لقطاعات واسعة من المجتمع العراقي يقدر عددهم بأكثر من 6 ملايين عراقي يعيشون تحت مستوى خط الفقر كما جاء في احصائيات الجهاز المركزي للاحصاء في وزارة التخطيط والتعاون الانمائي. خامساً : من الحلول المطروحة لتطوير مدينة الصدر هي ازالتها بالكامل وعلى مراحل واعادة بنائها من جديد... وهذا لن يتحقق في السنوات القريبة دون ايجاد البديل السكني المفضل لسكان هذه المدينة. المقترحات والتوصيات: 1 ـ ان البديل الحضاري والمفضل لاسكان أهالي مدينة الصدر هو: مدينة بسماية السكنية... المقترح يتمثل بتوزيع وحداتها السكنية عليهم مقابل أجور شهرية رمزية ... وتصرف هذه الاموال على جوانب متعددة منها: ادارة المشروع، أعمال الترميم والصيانة والخدمات. 2 ـ ان انتقال سكان مدينة الصدر الى مدينة بسماية السكنية الحديثة سيؤدي الى رفع المستوى المعيشي لهذه الشريحة الواسعة من المجتمع والارتقاء بالمستوى الثقافي والاجتماعي والانساني والصحي والبيئي لها... وتحقق لهم الراحة والطمأنينة التي افتقدوها في المساكن التي كانت تأويهم. 3 ـ يقترح أن تقام على أرض مدينة الصدر بعد ازالتها مدينة سكنية وفق النمط من التخطيط السكني والتصميم المعماري يقود باتجاه تطور حضاري متماسك مع احترام القيم الانسانية التي تعتبر الاساس في عملية البناء والتخطيط وملائمة للظروف المناخية والبيئية والاجتماعية... وتوزع وحداتها السكنية على سكنة الاحياء العشوائية المجاورة لمدينة الصدر. 4 ـ تطوير المناطق المحيطة بمدينة الصدر... لاسيما المناطق الواقعة خلف السدة وتحويلها الى مساحات خضراء تسر الناظرين إليها . 5 ـ اقامة شبكة من الطرق الحديثة الواسعة التي ترتبط بالعاصمة بغداد والمحافظات العراقية، بالاضافة الى خطوط السكك الحديدية. 6 ـ تأهيل مدينة بغداد العاصمة بعد إحياء وتطوير مناطقها القديمة، لاسيما اسواقها ومبانيها التراثية وشوارعها التاريخية كشارع الرشيد، لتعود الى ألقها وجمالها وصورتها النموذجية المعافاة أيام كانت قبلة الانظار والحالمين بالرحيل إليها ... ولتصبح مركزاً تجارياً وسياحياً رائداً في منطقة الشرق الاوسط لمكانتها التاريخية والحضارية والدينية المتنوعة وموقعها الجغرافي المتميز.
أقرأ ايضاً
- 800 مليون مريض سكري "بالغ" حول العالم.. نصفهم لا يتلقى العلاج
- يمكن أن يؤدي إلى العمى.. عدوى شائعة تلازمنا مدى الحياة قد تفتك بنا !
- المياه القلويَّة أفضل.. روتين الصباح للتخلص من السموم