حجم النص
كتابة وتوثيق: رواء الجصاني حَظيت، وما برحت، الحلقات السبع الماضيات، من هذه التأرخة واليوميات الشخصية عن الجواهري، بمزيد من الاهتمام، وإن جاء بعضه منتقدا لأنها"خصوصيات" لا يجب البوح بها. ومع التقدير لاصحاب ذلكم الرأي، ها نحن نستمر في محطات ومعايشات وشهادات أخرى، علهّا تُزيد من التعرف أكثر وأكثر على ذلك الذي ملئ القرن العشرين، وشغل اهله، وما زال. 34- بارزاني في صالون الجواهري عادة ما كان رئيس الحزب الديمقرطي الكردستاني، مسعود بارزاني، حين يحل في دمشق، وفي النصف الثاني من الثمانينات تحديداً، يقوم بزيارة الجواهري، في دار ضيافته، وقد شيئ لي أن احضر أثنتين من تلكم الزيارات: الاولى، وكان معه القيادي في الحزب، روج نوري شاويس، وعدد من المستشارين. والثانية كانت بحضور المسؤوليَن في الحزب الشيوعي العراقي، عبد الرزاق الصافي وفخري كريم، وسياسيين اخرين. وكان الجواهري – كعادته- مرحباً، وبتميز، بضيوفه، متبادلاً معهم احاديث السياسة والتاريخ والشعر، الى جانب "المناكدات" المعهودة. ومن الطبيعي ان تكون هناك أستذكارات عن العلاقة بينه والزعيم الكوردي الكبير، الملا مصطفى برزاني في الستينات، وعن قصيدته الشهيرة عام 1963 ذات المطلع المدوي: قلبي لكوردستانِ يُهدى والفـمُ- ولقد يجودُ بأصغريه المعدمُ وأشهد هنا مرة اخرى، ان مسعود بارزاني، أولاً، كما والضيوف، كانوا جميعاُ آذاناً صاغية، لاراء الجواهري واحاديثه وملاحظاته عن هذا الهمَ العراقي أو ذاك، خاصة وأن النظام الارهابي الحاكم حينئذٍ في البلاد، سالك في جرائمه ومآسيه، وحروبه الخارجية والداخلية. وفي سياق هذه التارخة، اشير ايضاً الى ان الشاعر الخالد، ولظروف واسباب يطول شرحها، ولانصيب لها هنا – في الوقت الحالي على الاقل- كاد ان يكون بضيافة الرئيس بارزاني، في كوردستان العراق عام 1992 ليستقر فيها بعد دمشق، والتفاصيل لدى "كفاح" نجل الشاعر الكبير... 35- صحة عامرة كمنجزه العامر باستثناء بعض مشاكل الاسنان المؤقتة، والعملية التي اجراها لعينيه في باريس، في النصف الاول من الثمانينات، بقي الجواهري، وحتى تسعينات عمره، في صحة أستثنائية، بعيدا عن امراض العصر، وغيرها. فالقلب سليم، ولا شكوى من ضغط عالٍ أو منخفض، ولا سكري ولاغيرها. ولذلك فهو لم يحتمِ من الدهون أو السكريات، ولربما لا يعترف بـ" الكولسترول" وتأثيراته السلبية. كما بقي أكولاً، وشروباً، ومدخناً متوسط الشراهة حتى سنواته الاخيرة. وأذ هوعلى تلكم الحال، فلم يكن بحاجة، على العموم، لمراجعة طبيب، أو مشفى، او اجراء فحوصات دورية، وسواها. مع استثناءات معدودات وهي قضاء اوقات محدودة في منتجع "كارلوفي فاري" التشيكي الشهير، لتغيير الاجواء، والتمتع بالطبيعة الآخاذة هناك، أكثر من الحاجة للاستشفاء، خاصة وان التكاليف كانت بسيطة جدا، ولربما لا تتجاوز المئة دولار في الاسبوع. وحدثني صديق الجواهري لعقود، وطبيبه عند الضرورة، السياسي السوري الشيوعي البارز، نبيه أرشيدات، وكنا في اربيل عام 2000 مشاركين في احتفاء الكورد بمؤية "شاعر العرب الأكبر"! قال: ان صحته، وحتى في سنوات عمره الاخيرة، عامرةً كعبقريته، وعطائه ومنجزه العامر. 36- جيب يرن به الذهب... عشية مغادرتي براغ الى دمشق عام 1990 للمشاركة في فعالية شبابية، حملني الجواهري رسالة الى احد معارفه السياسين العراقيين في سوريا، وكان متغاضباً معه، لأنه تقلب في مواقف اعتقدها الشاعر الكبير غير مناسبة... وقد حدستُ أن في الأمر"إنَّ" كما يقولون، وذلك من نبرة الحديث، ومن علمي بأن أحد "الوشاة" قد نقل اليه ما نقل من مزاعم وأدعاءات. لذلك أخذت الرسالة وفي قرارتي ان لا اسلمها. أولا: لأخفف من وقع المغاضبة، وثانياً لأتحايل على الجواهري، فليس بالمقدور رد طلب له، وثالثا لابعد نفسي عن تأزم اعرف انه سينتهي بعيّد فترة، وأكون انا وسطه دون داع وضرورة . وهكذا وصلت الشام، وبدلا من اهمال الرسالة، طغى علي الفضول، ففتحتها، وكان حدسي في مكانه، ففي الرسالة ما فيها من"عتاب" وأنتقاد، وأكتفي بنقل ما جاء في ختامها من "شعر" كُتبَ في عجالة، وعلى أن يُكمل لاحقا: جيبٌ يرنُّ به الذهب... ومناضلون بلا تعبْ فمن اليمينِ الى اليسارْ... ومن اليسار الى اليمينْ سبحان رب العالمينّ!!! وللتأرخة فأن الشعر لم يُكمل، وقد عادت المياه الى مجاريها بين الجواهري وذلكم السياسي المعني، بعد اسابيع قليلة. 45- الشاعر العظيم يرقص في التسعين كم تشوقَ، ويتشوق المحبون، لمعرفة بعض لمحات عن الجواهريّ، بعيداً عن "المقصورة" و"أنا حتفهم" و"آمنت بالحسين" و"أخي جعفراً" و"دجلة الخير" و"قلبي لكردستان" و"يا ابن الفراتين" وغيرها من المدويات... وقد يسألون وهم يشكّون أصلاً في أن تكون لمثل ذلك الشاعر الثائر المتمرد، ساعات فرح أو لحظات عشق أو أزمنة حب. وبين عشرات الوقائع والأحداث ذات الصلة، اسجل عن هذه الواقعة، والتي كنت قد كتبت عنها في تأرخة سابقة: في اليوم الأخير من عام 1985 والساعة تقترب من العاشرة ليلاً، والجواهري، وأنا، وبعض أهل البيت، في جلسة حميمة بقصر الروضة وسط دمشق الشام، المخصص لاستضافة الشاعر الكبير، ومن معه، ومن يحب، قلت له ممازحاً، ما معناه: الناس يرقصون ويفرحون في الشوارع والساحات والمقاهي ونحن جالسون هنا نحصي شؤون وشجون الماضي فحسب، ناسين أو متناسين أن غداً مطلع عام جديد ترقص الدنيا لاستقباله. أما أنت القائل: لا تلم أمسك في ما صنعا...امس قد فات ولن يسترجعا امس قد ولّى ولن ينفعهُ... حملك الهمّ له والجزعا فاطرحه واسترحْ من ثقله... لاتضعْ امسك واليومً معا ...ويسرح الجواهري هنية في التساؤل ذي الأكثر من مغزى، ولعله قلـّـبه من نواح عديدة مستعيداً ذكريات عقود وعقود، ومطالعَ وخواتمَ سنواتها، السعيدة منها والمؤسية... وما هي غير لحظات، إلا وهبّ شامخاً، داعياً الجميع للاستعداد والذهاب إلى فنـدق شيراتون الشام. ثم دقائق وينطلق وراء "رب البيت" وزوجته "أمونة" كل من: نسرين وصفي طاهر وجمال الجواهري، وكاتب هذا التوثيق، مقتحمين صالات الفندق الرحيبة، حيث البهجـة والموسـيقى والاحتفـال برأس السنة الجديدة.. ... وهناك، يتزايد فرح المحتفلين، صبايا وفتية، شباناً وكهولاً، من الرجال والنساء، وهم يتطلعون إلى الجواهري الكبير بينهم يرحبون به فرحين ويتقربون منه ويتصورون معه، وليطوقوه وهو جذل، منتش، راقصين معه، وراقصاً معهم بكل مرح ٍ وسرور، ولحوالي عشرين دقيقة تقريباً، حتى تنطلق الثواني الأولى من العام الجديد: 1986 فيتضاعف الرقص والحبور مزداناً بجميلات الشام الذي لم يخف ِالجواهري، ولا يخجل من اعلان انبهاره بهن، ومثيلاتهن الحسان في براغ وبغداد وباريس وبيروت، واينما حللن وأقمن.. بقي أن أقول أن الشاعر الخالد كان آنذاك على ابواب التسعين عاماً فقط! وقد واصل فلسفته وحبه للحياة والجمال، ولم يكفّ عن التصريح بذلك علناً مع سبق الاصرار، حتى في ذلك العمر، بل وبعده بنحو عشر سنوات تاليات... ولنا عن ذلك شهادات ومعايشات!.
أقرأ ايضاً
- تعرف على معدل نبضات القلب المهدد للحياة
- المركز الوطني لعلوم القرآن يقيم مسابقة طلبة الجامعات العراقية القرآنية الوطنية الاولى المؤهلة للمسابقات الدولي
- التعليم العالي تنفي افتتاح دراسات عليا في الجامعات الأهلية