تشهد محافظة الأنبار، واحدة من أخطر الأزمات المائية التي مرت بها منذ عقود، مع انخفاض كبير في الإيرادات المائية لنهر الفرات، ما أدى إلى تفريغ عدد من بحيراتها الاستراتيجية، وفي مقدمتها بحيرة الثرثار، وسط تأكيدات محلية بعدم تلقي البحيرة واردات تعويضية من حصة العراق المائية القادمة من تركيا، ما ينذر بأزمة مائية خانقة خلال المرحلة المقبلة.
يشار إلى أن الإطلاقات المائية كانت سابقا على نهر الفرات تصل إلى 500 متر مكعب بالثانية، لكنها تراجعت مؤخرا إلى مستويات “خطيرة جدا”، لتتراوح بين 65 و78 مترا مكعبا بالثانية، وتتذبذب أحيانا بين 120 إلى 145 مترا مكعبا بالثانية، بحسب تصريحات رسمية.
وقال مدير مديرية موارد الفلوجة وشرق محافظة الأنبار، رائد مظهر المحمدي، إن “الأخبار التي تحدثت عن وصول إطلاقات مائية من تركيا لزيادة خزين بحيرة الثرثار شمالي مدينة الرمادي، عارية عن الصحة، حيث لم يطرأ أي تغيير في مناسيب نهر الفرات، ولم تصلنا أي واردات مائية من تركيا، ما يهدد بوقوع أزمة مائية تؤثر سلبا على الاقتصاد الوطني”.
وأضاف، أن “مديرية موارد الأنبار اتخذت تدابير صارمة في آلية توزيع الحصص المائية بين قطاعات الزراعة والشرب والاستخدامات الأخرى، وذلك بسبب الانخفاض الكبير في مناسيب خزين بحيرة الثرثار وعدم تدفق الإطلاقات المائية من تركيا”.
وأشار إلى أن “عمليات سحب كميات كبيرة من خزين البحيرة لتغذية نهري دجلة والفرات مستمرة لسد النقص الحاصل، حتى وصول إطلاقات مائية جديدة”.
ومنذ عدة أشهر، يشهد العراق أزمة مياه حادّة، نتيجة تراجع مستوى نهري دجلة والفرات، كما تسببت بارتفاع نسب الملوحة في شط العرب بمحافظة البصرة المطلة على الخليج العربي جنوبي البلاد، فضلا عن تداعيات كارثية تهدد الأمن الزراعي والمائي في العراق بشكل عام.
وكانت السلطات العراقية أعلنت مطلع الشهر الجاري، عن موافقة تركيا على رفع إمدادات العراق من المياه بواقع 420 مترا مكعبا في الثانية الواحدة، لمساعدته في تجاوز أزمة شح المياه التي بدأت تؤثر على الحياة في عدد كبير من محافظات البلاد، إلا أن ذلك قوبل بانتقاد واسع لما تضمنه من مقايضة الماء بمشاريع طريق التنمية، فضلا عن كونه لشهرين فقط (تموز وآب).
وقال وزير الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، مؤخرا، إن تركيا لم تنفذ حتى الآن التصاريف المتفق عليها سابقا والمحددة بـ420 مترا مكعبا في الثانية لشهرَي تموز وآب، مبينا أن مجموع الإطلاقات المائية من تركيا وسوريا باتجاه العراق يبلغ حاليا 353 مترا مكعبا في الثانية فقط، وهو أقل بكثير من الحاجة الفعلية المقدرة بـ600 متر مكعب لنهرَي دجلة والفرات.
وذكر عضو لجنة الزراعة النيابية، ثائر الجبوري، في 3 تموز الجاري، أن الإطلاقات الحالية من تركيا لا تمثل سوى 15% من الكميات المتفق عليها مع العراق خلال فصل الصيف، مؤكدا أن الأمن المائي في العراق يمر بمرحلة حرجة جدا.
وأجرى العراق وتركيا خلال السنوات الماضية الكثير من المفاوضات بشأن حصة البلاد العادلة من المياه، إلا أن نتائجها غالبا ما تكون مؤقتة أو مرتبطة بظروف سياسية، دون التوصل إلى اتفاقية ملزمة بشأن الحصص المائية، حيث تزداد المشكلة تعقيدا مع غياب سياسة مائية وطنية متكاملة، وتراجع الاستثمارات في تحديث شبكات الري والزراعة، إضافة إلى الهدر الكبير في استخدام المياه.
وتُعد مناطق الجنوب والفرات الأوسط الأكثر تضررا، حيث بدأت تظهر تداعيات الجفاف بشكل واضح من خلال الهجرة القسرية للسكان، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وتهديد مصادر مياه الشرب.
وعلى الرغم من محاولات العراق الحثيثة لمعالجة ملف المياه، وآخرها زيارة رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني إلى أنقرة ولقاؤه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلا أن تلك الجهود لم تنجح حتى اليوم في إنهاء هذه الأزمة.
ويُعد ملف المياه في العراق من أبرز التحديات المزمنة التي تواجه البلاد، خصوصا في المناطق الجنوبية التي تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة كمصدر للرزق.
وكشفت لجنة الزراعة والمياه النيابية، في 23 حزيران الماضي، عن تراجع الإيرادات المائية في نهري دجلة والفرات إلى مستوى دون 50%، فضلا عن انخفاض الخزين المائي في السدود الى النصف ايضا، داعية رئيس الوزراء، محمد السوداني لتفعيل الورقة التجارية للضغط على تركيا.
وتشتد أزمة الجفاف في العراق على نحو غير مسبوق، بسبب قلّة هطول الأمطار خلال السنوات الماضية، نتيجة التغير المناخي، والسبب الثاني يعود إلى تراجع مستويات المياه الواصلة عبر نهري دجلة والفرات، بسبب سياسات مائية لإيران وتركيا.
ووفقا لتقرير صادر عن منظمة البنك الدولي، أنه بحلول العام 2040، سيكون العراق بحاجة إلى 233 مليار دولار، كاستثمارات للاستجابة إلى حاجاته التنموية الأكثر إلحاحا، فيما هو بصدد الشروع في مجال نمو أخضر وشامل، أي ما يساوي نسبة 6 بالمئة من ناتجه الإجمالي المحلي سنويا.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!