- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اَللّـهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحْمَةِ، وَارْزُقْني فيهِ التَّوْفيقَ وَالْعِصْمَةَ، وَطَهِّرْ قَلْبي مِنْ غَياهِبِ التُّهْمَةِ، يا رَحيماً بِعِبادِهِ الْمُؤْمِنينَ).
- يتضمن الدعاء ثلاثة نقاط:
- الأولى: على أعتاب الرحمة الإلهية (اَللّـهُمَّ غَشِّني فيهِ بِالرَّحْمَةِ): هناك حضور واضح في صفة الرحمة في جميع مشتقاتها في القرآن الكريم، وهذا يؤكد على محورية صفة الرحمة من بين أسماء الله وصفاته، وهذا يدلل على أنها هي الأصل بينما العذاب والنقمة هو استثناء من الأصل، وعلى ضوء ذلك يتضح أن هناك سعة في الرحمة وأنها تشكل الصفة الغالبة على بقية صفاته عزوجل، وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، و(رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً)، ومن مظاهر سعة رحمته تعالى الرحمة في عالم الدنيا والآخرة. فعن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: (إنّ لله عزوجل مائة رحمة، وإنّه أنزل منها واحدة إلى الأرض، فقسّمها بين خلقه، بها يتعاطفون ويتراحمون، وأخّر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة).
وهناك أسباب لأستنزال الرحمة منها:
١- ذكر الله عز وجل: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام: (بذكر الله تستنزل الرحمة).
٢ - الإستغفار والتوبة: وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً: (التوبة تستنزل الرحمة)٠
٣- رحمة الضعفاء: فعن النبي (صلى الله عليه وآله: (إرحموا ضعفاءكم واطلبوا الرحمة من الله عز وجل بالرحمة لهم).
٤- البكاء من خشيه الله عز وجل: قال (صلى الله عليه وآله): (البكاء من خشية الله، مفتاح الرحمة، وعلامة القبول، وباب الإجابة).
٥ - الزهد في الدنيا :عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا تَنْزِلْ عَلَيْكَ الرَّحْمَةُ).
٦ - إضمار المودة والرحمة للآخرين: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أبلغ ما تستدر به الرحمة أن تضمر لجميع الناس الرحمة).
فنحن نطلب رحمة الله تعالى لأنه أرحم الراحمين، ولا نتكل على أعمالنا بل نرجوا رحمته وشفاعة محمد وأهل بيت الرحمة لأنهم عليهم السلام أبواب الرحمة الإلهية، بعد أن نتخلق بصفة الرحمة ونتحلى بها في تعاملنا مع الآخرين وأن تحل في قلوبنا وسلوكياتنا جميعاً.
- الثانية: التوفيق والعصمة: (وَارْزُقْني فيهِ التَّوْفيقَ وَالْعِصْمَةَ). يعني التسديد والمدد وأن الله تعالى قد ييسر للعبد الوصول إلى ما يقصد إليه الإنسان وأن يعصمه من الزلل والوقوع في الحرام، فعن الإمام الجواد (عليه السلام): (المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال، توفيقٍ من الله وواعظٍ من نفسه وقبولٍ ممّن ينصحه). وقال تعالى على لسان العبد الصالح شعيب: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). فالمؤمن دائم الشعور بالحاجة إلى توفيق الله تعالى، وهذا ما يجعل علاقته بالله تتوطد أكثر بخلاف من يشعر بالإعتداد بالنفس فإنه سيصاب بالفخر والكبر ولا يستشعر في نفسه الحاجة والإفتقار الى الله والإلتجاء إليه، ولهذا ينبغي للمؤمن أن لا يتكل على نفسه وعقله ويغفل عن رعايه الله وعنايته له، فإنه سيكون مآل نتائجه إلى الخسران.. وكثير من الناس يبذلون جهوداً كبيرة لتحصيل الرزق مثلاً ولكنه يواجه الخيبة والخسران لأتعابه هذه وليس فيها بركة لأنه لم يحظ بتوفيق ومدد وعناية الله عز وجل، لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لا ينفع اجتهاد بغير توفيق).
والتوفيق هو مدد و عون الله في كل أحوال الإنسان حتى في ارتكابه المعاصي، نحتاج إلى توفيق ومدد إلهي يحجب بيننا وبين المعصية وهو ما يسمى بالعصمة وهي درجة عالية من الورع تحميه من ارتكاب المعاصي وهي التي تسمى (بالعصمة الإكتسابية )، وهي التي تحصل بمجاهدة النفس والتوكل على الله والتقوى وصاحبها يصل إلى مقام معنوي يحجزه عن معاصي الله تعالى.
- الثالثة: طهارة القلب عن غياهب التهمة: (وَطَهِّرْ قَلْبي مِنْ غَياهِبِ التُّهْمَةِ). ومن طرق اكتساب العصمة من الذنوب تطهير القلب من الأوهام والشكوك التي تزرع في الإنسان حالة القلق و التردد، و تنزع منه حالة الإستقرار العقائدي وعدم الثبات على دينه، لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وخير ما دام في القلب اليقين)، ودعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام): (فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ)، فالشكوك والظنون طريق إلى ضعف الإيمان، بل قد تكون النتائج هو النفاق أو الكفر لا سمح الله. ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (خير ما القي في القلب اليقين.. شر ما ألقي في القلوب الغلول). فعلينا أن نحافظ على نعمة اليقين وأن لا نجعل قلوبنا سبلاً للشر وإشاعة الفتن والخراب.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر