- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثلاثين من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامِي فِيهِ بِالشُّكْرِ وَ الْقَبُولِ عَلَى مَا تَرْضَاهُ وَ يَرْضَاهُ الرَّسُولُ، مُحْكَمَةً فُرُوعُهُ بِالْأُصُولِ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ).
- يشتمل الدعاء على أمرين سنتعرض لهما بعون الله وتوفيقه:
- الأول: شكر الله على توفيقه لطاعته وقبولها. إتيان الطاعات والعبادات من قبل العبد هو في حقيقته توفيق للعبد على إتيانها على أحسن وجه، وهذا الإتيان للطاعات نعمة من الله تعالى، وكل نعمة لابد أن تقابل بالشكر من باب شكر المُنعم، وأن شكر الله تعالى يكون بالإعتراف بأن هذه النعم هي من فيض عطاءه وكرمه اللامتناهي، وقد أشار الإمام العسكري (عليه السلام): (لا يعرف النعمة إلا الشاكر، ولا يشكر النعمة إلا العارف).
فإذا غفل العبد عن نعم الله عزوجل وقع محذور خطير وهو جحود النعمة، وقد أشار الإمام زين العابدين (عليه السلام) في أدعيته الى هذا المعنى وآثاره بقوله: (والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمية، فكانوا كما وصف في محكم كتابه "إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيل).
إذن.. على العبد وبعد أن تصرمت أيام شهر رمضان وقد وفق الإنسان لأداء هذه الفريضة الإلهية وقطع شوطاً روحياً بالتوجه والإنقطاع إليه تعالى، في موسم تجلت فية عبودية الله تعالى عبودية الباطن والظاهر، فعليه أن يتوجه بالشكر لله على أن يتم هذه العبادة وإعانته تعالى على الأعمال الصالحة والطاعات والذكر والدعاء وقراءة القرآن وأعمال الخير والبر وإنفاق المال... فهذا اليوم هو آخر شوط من أيام الرحمة المكثفة والهداية الإلهية فاليوم الشكرلله على عونه وتوفيقه على ذلك.
ويطلب العبد من ربه تعالى في نهاية انتهاء شوط العمل أيضاً أن يتقبله منه، لأن ثمرة العمل هو أن بكون مقبولاً حيث أن إتيان الطاعات والعبادات من قبل العبد هو نعمة ولكن النعمة الأكبر هو قبولها عند الله عزوجل، فالعبادة متقومة بطرفين:
١- من العبد وهو شكر الله على إتيانها، وطرف يطلبه العبد من الله وهو أن يتقبل الله تعالى هذه العبادة،
والقبول يقوم على ركيزة مهمة وهي رضا الله عزوجل، فإنه متماً تحقق رضا الله عزوجل عن العمل، فإنه سيقبله من العبد: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، فبالتقوى سيتحقق رضا الله تعالى، ومع الرضا سيكون القبول. ورضا الله وطاعته مقترنان مع رضا وطاعة رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله): (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا). وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ..). وقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ).
- الثاني: طلب أن يكون الصيام متقنة فروعه (محكمة فروعه بالأصول). الدين يشتمل على أصول: (التوحيد، العدل، النبوة، الامامة، المعاد)، وعلى فروع: (الصلاة، الصيام، الحج، ولاية أهل البيت عليهم السلام والبراءة من أعدائهم...).
فلا يتكامل دين الإنسان بأن يعتقد بالأصول ويترك العمل بالفروع وقد ذم القرآن من يفعل ذلك: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ ). والصيام أحد فروع الدين، فلابد أن يتقن ويكون وفق أصول الدين العقائدية، وأن ينبعث عنه بأسرها ومطابقاً لما أراده الله تعالى لأنها هي الأساس والبناء الأصل كي لا يضيع الإنسان في متاهات الإنحراف والضياع، وأهم أصل اعتقادي هو أصل الإمامة الإلهية والإرتباط بها وأن تكون عباداتنا وفق هذه الأصول الإعتقادية، وأن لا يحصل فصل بين الفروع وبين الأصول جميعها، كي تنعكس على أعمالنا وسلوكياتنا وأخلاقنا.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر