- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الثامن والعشربن من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللّـهُمَّ وَفِّرْ حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ، وَأَكْرِمْني فيهِ بِإِحْضارِ الْمَسائِلِ، وَقَرِّبْ فيهِ وَسيلَتى إِلَيْكَ مِنْ بَيْنِ الْوَسائِلِ).
- يتضمن الدعاء ثلاثة أمور سنتعرض إليها بعون الله وتوفيقه تباعاً:
- الأمر الأول: التقرب إلى الله بالنوافل. النافلة لغة: هي العطية والزيادة التي تزاد بعد الفريضة من صدقة أو عمل خير. واصطلاحاً: فقد كثر استعمالها في الصلوات المستحبة، وأن كانت تعم غير الصلاة من الأعمال المستحبة، لكن كان استعمال لفظ النافلة في الصلوات المستحبة هو الغالب، ومنها نوافل الفرائض اليومية، وقد دلت الروايات الشريفة على استحباب إتيانها، من الروايات ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إياكم والكسل، إن ربكم رحيم يشكر القليل، إن الرجل ليصلي الركعتين تطوعاً يريد بهما وجه الله عزوجل فيدخله الله بهما الجنة..)، ومنها ما دل على أنها جابرة للنقص الذي يحصل في الفريضة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إن كان في الفريضة نقصان قضيت النافلة على الفريضة حتى تتم).
وتؤدى النوافل طلباً لمزيد الأجر والثواب من الله عز وجل. وأما الفرائض فإنها لو تركت يعاقب على تركها. وتأخذ النوافل طريقها في قلب الإنسان وتبلغ به درجات القرب إلى الله كلما أتى بها الإنسان بتوجه وانقطاع تام كما في صلاة الليل: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لا تدع قيام الليل فان المغبون من حرم قيام الليل).
وإن النافلة لا تختص بالرواتب المستحبة بل تشمل جميع الأعمال المستحبة كبقية الصلوات المستحبة والصيام المستحب والأدعية التي وردت عن أهل بيت العصمة عليهم السلام. وباب النوافل باب رحمة فتحها الله لعباده لكي يغترفوا من فيض كرمه وموائد عطاياه بما فيها هو القرب إلى الله عزوجل وما فيها من الثواب الجزيل.
- الأمر الثاني: طلب العلم والمعرفة: (وَأَكْرِمْني فيهِ بِإِحْضارِ الْمَسائِلِ). من المعلوم جداً أن الإسلام نظر إلى مسألة مهمة تشكل أحد مرتكزات سعادة الإنسان وتكامله المعنوي والمعرفي، ألا وهي مسالة تحصيل المعارف وطلب العلم، فنلاحظ كثير من الآيات التي أكد على ذلك، منها: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ )، وقوله: (إقرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم). فهناك أهمية كبيرة لطلب العلم والمعرفة بل أعتبرها الإسلام من الأولويات الضرورية لكل مسلم، لأن بالعلم تتجذر عقيدة الإنسان وتصان من الإنحراف الفكري.
فإحضار المسائل يعني تعلم المسائل تشكل قوام دين الإنسان ومن أهمها المسائل العقائدية كمعرفة الله عزوجل وما يتعلق بتوحيده تعالى، ومعرفة نبيه (صلى الله عليه وآله) ومعرفة الأئمة (عليهم السلام) ومعرفة بقية أصول الدين لأنها المرتكز الفكري والعقائدي للمؤمن في حياته.
وكذلك تعلم مسالل الحلال والحرام لمعاملات الإنسان اليومية في حياته كمعرفة الربا أو الغش أو الغصب.... وبقية الأحكام، أو تلك التي تتوقف صحة العبادات والطاعات عليها كشرائط الصلاة وأجزاءها، لذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أول الدين معرفته)، لأن معرفته والعلم بمساءله طريق إلى معرفة الله تبارك وتعالى.
- الأمر الثالث: وسائل القرب إلى الله. تتعدد الوسائل التي نتقرب بها الى الله عزوجل، منها:
١ - معرفة الله عزوجل حيث أنها تمثل أعلى الحالات الروحية للعبد في علاقته مع ربه وتقربه إليه.
٢ - أداء الواجبات العبادية وعلى رأسها الصلاة فإن الواجبات تعد أعظم الوسائل بعد المعرفة.
٣- بر الوالدين.
٤- إجتناب الرذائل الأخلاقية كالحسد والعجب والفخر.
وهذه الوسائل جمعتها الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام) في وصيته لهشام: (يا هشام، أفضل ما تقرب به العبد إلى الله بعد المعرفة به، الصلاة، وبر الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر).
٥- الورع عن محارم الله، سأل أمير المؤمنين (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ).
٦- حسن الخلق: فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام):(إن أحبكم إلى الله عز وجل أحسنكم عملاً، وإن أعظمكم عند الله عملاً أعظمكم فيما عند الله رغبة، وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله، وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا..).
٧- قول الحق والعمل به. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (أقرب العباد إلى الله تعالى أقولهم للحق وإن كان عليه، وأعملهم بالحق وإن كان فيه كرهه).
بقي أمران:
- الأول: إن حقيقة التقرب الى الله عز وجل بأي وسيلة هو طاعة وإلغاء للحجب التي تحجب العبد عن ربه.
- الثاني: إن وسائل التقرب إلى الله متعددة ولكن أقربها للوصول إلى رضا الله تعالى هي وسيلة الولاية لأهل البيت (عليهم السلام). لأن ولايتهم شرط في قبول الأعمال.
أقرأ ايضاً
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الاول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر