- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
نعم للعتاب كلا للّوم في تصحيح علاقاتنا الاجتماعية
حجم النص
بقلم:حسن الهاشمي
تنتاب العلاقات الاجتماعية بين الفينة والأخرى بعض المشاكل والأزمات، فكان لابد من وجود محطات لتسويتها وتضييق الخناق عليها كي لا تستفحل وتقوّض بنيان العلاقات الأخوية التي نسعى جميعا لتحقيقها، وهناك ثمة محطتين أحدهما ايجابية والأخرى سلبية لتفادي الأخطاء قبل استفحالها وتفاقمها، الأولى: محطة العِتاب وهي أن يتحدث شخصٌ إلى شخصٍ آخر تجمعهما قرابة أو صداقة أو معرفة جيّدة أو عِشرة حَسنة، فيُخاطبه خطابا فيه من الحبّ والتودد والرّفق واللين وتذاكر الأمور الجميلة بينهما، راجيا منه تقبّل الكلام ومقابلة العَتَب بالرد الحَسَن، وإنهاء أيّ خلافٍ قد يترتب على العَتَب، لقد وردَ العِتاب في القرآن الكريم في خطاب الله عز وجل لسيدنا آدم وامرأته عندما استمعا إلى كلام الشيطان ونَسِيا نَهْي الله تعالى وتحذيره لهما من تلك الشجرة وذلك في قوله تعالى: (وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الأعراف:22. والثانية: محطة اللوم وهي أن يوبّخَ شخصٌ شخصا آخر بكلامٍ فيه قسوة ولؤم ومبالغة في العِتاب على قيامه بعملٍ ما أو عدم قيامه لعملٍ ما، ولا يرتجي اللائم النصيحة أو التوجيه مثلًا بِقَدرِ شهوته في التّوبيخ والصّراخ والانتقاص من الطرف المقابل.
إذن الفرق بين اللوم والعتاب هو ان العتاب فيه حسن ظن ومحبة وطاقه إيجابية، وعندما نسمعه نحس حبا ومودة، وكما قال الإمام علي (عليه السلام): (العتاب حياة المودة) غرر الحكم للآمدي: 315. أما اللوم فهدفه إثبات خطأ الآخر وكسب نقطة عليه، ولما نسمعه يضع الآخر في حالة دفاع عن النفس وهو إحساس سلبى، الإمام الحسن (عليه السلام) يؤكد على هذه الحقيقة - في وصف أخ له - بقوله: (كان لا يلوم أحدا فيما يقع العذر في مثله، حتى يرى اعتذارا) بحار الانوار للمجلسي: 69 / 295 / 24.
يعتمد الفرق بين اللّوم والعتاب على أسلوب القائل، فشتانَ بين من يحبّك ويرتجي منكَ حُسنا وتتعاتبانِ بينكما فقط، وبين من ينتظرُ منكَ هفوةً وخطأً كي يُمسك بك ويضعك تحت التجريح، غير آبهٍ أن تكونا وحدكما مثلًا أو أمام الجميع، وعادة ما يكون المُعاتِب شخصا حانيا يفتح طريقا للمُعاتَب للتعاتب والتسامح وإنهاء العَتَب، وقد يتبادل الطرفان الرّد والاعتذار، بخلاف اللائم فهو شخصٌ متمادٍ في إثبات زلّة الآخر وقد يترتب على حديثه عقوبة أو غيره.
لتجنب العتاب واللوم، أولا وبالذات فالإنسان بكلامه وسلوكه يحاول قدر الامكان ان لا يخطأ ولا يتجاوز على الآخرين، ثانيا وبالعرض وبما أنه معرض للأخطاء ولا يخلو من العيوب ولتصحيح الموقف ومعالجة آثارها الوخيمة، عليه أن يطرق باب المحاسبة مع نفسه والمعاتبة مع الآخرين بما يحمل من مكاشفة ومصارحة ومصالحة ومحبة، ويضبط أعصابه ويبتعد قدر الامكان عن اللوم بما يحمل من مكاشفة ومصارحة ومطالحة وتشفي، ومن الأفضل الابتعاد عنهما جميعا فالسيرة الحسنة والأخلاق الفاضلة وعدم التعدي على حقوق الغير كفيلة بصون النفس عن المعاتبة والملامة و(من وضع نفسه مواضع التهمة، فلا يلومن من أساء به الظن) كما قال الإمام علي (عليه السلام) نهج البلاغة: الحكمة 159.
العتاب واللوم والتوبيخ مفاهيم ذات معاني متقاربة أساسها في الصورة العامة ـ أو المتعارف عليها- حالة عدم رضا من طرف عن طرف آخر مرتبطة بتصرف معين، وبالمعنى الأخلاقي هي تعبير عن مسؤولية أخلاقية تتوجه حالة عدم الرضا فيها إلى الميل والرغبة في التصحيح والتهذيب والتقويم والتكامل باتجاه الحق والخير والفضيلة، ويختلف الناس ويتفاوتون حول تلك المفاهيم في مجال معاملة الناس بصورة عامة، وفي الحياة الزوجية بصورة خاصة، هناك نظرة تذهب إلى أن الإنسان في تعامله مع الناس وفي تعامله مع زوجه يجب أن يبتعد عن كل ما فيه نقد ولوم وعتاب للآخرين، سيرا على مقولة (لا تلم أحدا عساك ألا تلام) وهذا الطريق خاطئ؛ لأنه يتسبب في تراكم المشاكل وتفاقمها وربما تصير الأمور الى ما لا تحمد عقباها في المستقبل، وهناك في الطرف المقابل نظرة تذهب إلى تقديم النقد واللوم والعتاب بصورة مباشرة، والهدف من هذه النظرة اذا كان التجريح والانتقام فهو مرفوض ومستهجن، أما اذا استبطن التصحيح والتصويب وردم كل ما من شأنه تعكير صفو العلاقات الطيبة من سوء ظن وتهم وغيبة وافتراء، فهو مقبول ومستحسن.
على صعيد الحياة الزوجية، ثمة أمور وممارسات تتعلق بالأخلاقيات وبمسيرة الأسرة بشكل عام، فإذا ما أغمض الإنسان عينيه عنها فلربما ترتب عليها نتائج وتطورات غير محمودة أو خطيرة، دعنا نضرب لذلك مثالين: امرأة رأت من زوجها أنه يدلل ابنه الصغير بصورة مفرطة ستؤثر سلبا ـ بلا شك - على شخصيته وسلوكه مستقبلا، وهنا إن اجتنبت تنبيه زوجها (عتابه أو لومه) إلى هذا الأمر، فسوف لا يعني ذلك إلا تسليمها وقبولها العملي بالطريقة الخاطئة التي يتعامل زوجها مع ابنه، وبالتالي التسليم بالنتيجة غير المحمودة التي سيؤول إليها طفلها في المستقبل، ورجل رأى من امرأته أنها تسلك الإسراف والتبذير في الإمكانات ولا تشعر بقيمتها، ولا تراعي الاقتصاد في تسيير الحياة الأسرية، وهنا إن تجاهل زوجها نقدها ولومها وعتابها، استمرت في إسرافها وتبذيرها، وفي تضييع الإمكانات بما يترتب على ذلك من تأثيرات اقتصادية سلبية على العائلة، وخصوصا حينما تكون الإمكانات المالية محدودة، والطريقة المثلى في حل هاتين المعضلتين هو العتاب الهادف في تحديد مكامن الخطأ وقبول الزوج معاتبة زوجته في عدم الافراط في دلال الابن لتقويم سلوكه، وقبول الزوجة في عدم الاسراف في المعيشة لترشيد الاقتصاد، واللجوء الى العتاب دون اللوم في فك الاختناقات العائلية والاجتماعية هو الأصوب ونتائجه دائما تكون مرضية للطرفين.
قد أثبتت الأبحاث العلمية أن الشخص الذي يتعرض دائما للوم، عندما يحاول أن يتغير فإنه لا يتغير من أجل من يحبهم بل يتغير ليثبت إنه ليس شخصا سيئا، فقبول الزوجة عتب زوجها بعدم الاسراف يوثق المحبة بينهما، أما تجرعها لوم وتقريع الزوج لنفس السبب قد لا يساوق مقدار المحبة بينهما بقدر ما يساوق أنها امرأة غير مبذرة وكفى.
العتاب بقدر الضرورة لغة راقية تقود قاطرة الحب الى الامام، تشعله بوقود الثقة بالنفس وتنقيه من الإحساس بالفشل، لكن عندما نلوم أبناءنا نُـوَلّدْ لديهم شعوراً بالنقص وفقدان الثقة في النفس، ربما البعض منا عانى من لوم الأهل له في طفولته، لذا أعتقد أن العتاب أو التشجيع والتنبيه هو اللغة المثمرة التي تحفز ولا تهدم مثل اللوم، الإمام علي (عليه السلام) يؤكد ان: (الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة) غرر الحكم للآمدي: 1768.
أقرأ ايضاً
- يرجى تصحيح المسار يا جماهير الكرة
- الفضيحة الاخلاقية فرصة لتصحيح مسار تعيين القيادات الجامعية
- كلام في رحاب السيدة الزهراء عليها السلام