بقلم: د. أثير ناظم الجاسور
من الواضح ان من يمارس السلطة في العراق لم يقرأ التاريخ بشكل جيد او يحاول ان يجد تفسيرات لأحداث تاريخية في سبيل تبرير ممارساته السياسية والاجتماعية، فهو على قناعة ان لكل مرحلة ظروفها التي تتلائم مع ما يعتقد هو دون الولوج في تفاصيل المرحلة وعواملها ومسبباتها لا بل ينطلق من تفسيرات يطغى عليها الغموض تارة والطابع الأيديولوجي بكل تجلياته تارة أخرى، ويذهب إلى أكثر من ذلك عندما يضع افتراضات غير موضوعية وغير منطقية في عملية إدارة وتنظيم الحكم للبلاد، بالتالي فإن طريقة توظيف التاريخ فيه لطالما تسلك مسارات غير صحيحة ترتبط اما بالهويات الضيقة ومحاولة احيائها مما يؤثر على ديناميكية عمل الدولة او يكون التوظيف على أساس خلق فكرة مغايرة لعملية الإدارة تنشأ تحالفات غير متوازنة داخلياً وخارجياً تحمل في طياتها كل عوامل الضعف والتهميش وفي كلا الحالتين فان هذا التوظيف يساهم في تقليص دور الهوية الوطنية التي تنهار في كل مرحلة احياء لتلك الهويات والتاريخ يحدثنا عن ان تغليب أي من هذه الحالات تؤدي إل فوضى سياسية واجتماعية تؤثر على إدارة حركة المجتمع الذي بالضرورة يتأثر بهذه الحالات لابل يكون جزء من سيرورتها.
من حيث الممارسة السياسية فان التاريخ يبين ان الأمم القوية هي من تمتلك عناصر القوة الداخلية التي تساعدها على خلق قوة خارجية هذه القوة نابعة من بناء علاقات تشاركية مع المجتمع من خلال اشراكه حيث الاعتماد على محركاته التي تعطي قوة للقرار السياسي، فللتاريخ قواعد ثابتة بينت ان القوى التي أعطت اهتمام كبير في بناء مجتمعات مترابطة متعايشة انتجت نخباً مستقرة فكرياً ساهمت في تعزيز دور الدول في التحرك في بيئاتها بحرية اكبر بعد ان استندت في قراراتها على الدعم الاجتماعي فضلاً عن قوة الدعم السياسي، فالدولة العراقية عانت من التحديات التي كان لها الدور الكبير ف عرقلة بناء أجواء سياسية مستقرة اثرت على شكل ومضمون الدولة منذ اليوم لتأسيسها ولغاية اليوم، بالمحصلة انتجت هذه الحالات الصراعات والنزاعات الداخلية التي شهدتها فضلاً عن التدخلات الخارجية التي عززت من الانقسامات السياسية التي القت بظللها على الواقع الاجتماعي، بالتالي كانت اصعب أنواع القراءات على صانع القرار العراقي هي تلك التي تتعلق بمستقبل الدولة، بالإضافة إلى انه لم يستطع او لم يمتلك القدرة على قراءة التاريخ وتفكيك شفراته بحكمة.
مشكلة الأنظمة الحاكمة في العراق كل أمة تلعن قبلها وعلى هذا المنوال تمت إدارة الدولة بعد ان عملت هذه الأنظمة على هدم كل مقومات الدولة في مراحل سابقة لتعمل على تأسيس بناء جديد على قياساتها وفق منطلقاتها وتبنياتها، بالتالي ضاعت فكرة تأسيس دولة مستقرة تستند على معايير منطقية لا تتأثر بالتغييرات الطارئة عليها التي تجعل منها فريسة له لا بل راح صانع القرار يجزأ المحركات الاجتماعية ويتعامل معها وفق المرحلة والتحدي الذي يمر به هو وليس الدولة، منذ تأسيس الدولة العراقية والتجاذبات لعبت دور كبير في عدم الاستقرار السياسي واستمرت علمية التجاذب مع كل تغيير وانقلاب حاصل وهذا يرجع لقصور الرؤية السياسية الذي يتمتع به صناع القرار الذين مسكوا بزمام حكم العراق وفق معتقدهم الفكري والسياسي والاجتماعي والديني، ولطالما لعبت هذه المفاهيم دوراً في تضييق حدود اظهار الدولة الراعي لكل تفاصيل العمل والماسكة بزمام الأمور، وهذا واضح من المراحل الصعبة التي مرت على العراق سواء بالتعامل مع القضايا الداخلية التي قد تكون خطرة بالإضافة إلى التحديات الخارجية التي تخلقها الاجندات المؤثرة على دور الدولة الخارجي، وما نعيشه اليوم هو شاهد على القراءات المغلوطة للتاريخ من خلال تكرار الكثير من الأخطاء تحديداً في الممارسة والتعامل وتبني المشاريع التي اثبتت فشلها مع مرور الوقت، لا بل اعتمدت الحكومات العراقية المتعاقبة على تزييف الحقائق والاستناد على تفسيرات غير واقعية تتنافى مع لغة المنطق والعقل بدفع موجات من المخاوف وبناء جدران وتحديد خيارات كلها اضعفت من دول الدولة، إلى جانب اهمال دور العامل الاجتماعي في تغيير الاحداث من خلال التعاطي مع هذا الجانب بالاستناد على تجهيل العقل وتحييده وفرض مفاهيم تحمي من في السلطة خصوصاً فكرة العدو التي تعمل على استمرار وجوده في السلطة، بالمحصلة فالعراق ابتلي بصناع قرار وحاكمين لا يجيدون قراءة التاريخ ولا يمتلكون القدرة على توظيفه مما يسهل من بناء دولة هشة تسقط مع هبوب العواصف السياسية هذا ما يجعل المستقبل ضبابي.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!