- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
قراءة في المنهاج الوزاري للحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر
بقلم: د. أحمد عبد الرزاق شكارة
خصصت الامم المتحدة يوما عالميا لمكافحة الفقر في الـ17 من أوكتوبر / تشرين اول من كل عام حيث رفعت شعارا عنوانه الرئيسي: الكرامة للجميع.في الغالب الاعم ما حدث حتى الان من وقائع مآساوية إنسانية في بلادنا تحملنا جميعا مسؤولية وطنية كبرى للتصدي بكرامة، بحزم وبكل قوة لمكافحة الفقر في أطاره الستراتيجي.
موضوع اتناوله من خلال طرح النقد الموضوعي لبعض فقرات المنهاج الوزاري لحكومة السيد محمد شياع السوداني قدر ارتباطها بمكافحة الفقر، تحجيم البطالة والقضاء على الفساد تخفيفا عن الاعباء الانسانية للشرائح الاكثر هشاشة أو ضعفا من مجتمعنا تطبيقا لبرنامج مايعرف بـ»حكومة الخدمات».
إنطلاقا من المضمون المركزي للتعمق في معرفة اسباب وتفاصيل ظاهرة الفقر بكافة مظاهرها وأبعادها نجد أن «كرامة الانسان ليست حقا اصيلا وحسب، بل هي الاساس لكافة الحقوق الاساسية الاخرى». تصور يفترض أن نحدد اولا المعنى العام بالكرامة الانسانية كونها ليست مفهوما مجردا أي أنها حقا إنسانيا لكل إنسان يستوطنالعراق ضمن عالمنا الفسيح حيث "يعاني عديد من يعايشون الفقر المزمن من الحرمان من كرامتهم وغياب إحترامها".حقا إن إفتقاد او فقدان الكرامة الانسانية لايبقي شيئا ذا قيمة للبشر. فهل ستنتهي أو تحجم دوامة الصراعات وينتقل العراق من واقع بآئس مزري إلى واقع أكثر إيجابية في كافة مجالات الحياة الانسانية؟.من هنا، أهمية الالتزام المبدئي الثابت «بالقضاء على الفقر وبحماية الكوكب، وبضمان تمتع جميع الناس في كل مكان بالسلام والازدهار.." إذن فالمسألة ذات منظور دولي حيوي متسع ومعقد يتجاوز الحدود الوطنية وبالتالي لاتبدو النتائج حتى الان إيجابية تنقل العراقيين من واقعهم المؤزوم إلى ميدان التنمية الانسانية المستدامة إذ لم مايفصلنا عن عام 2030 (عام التنمية الانسانية المستدامة) للقضاء على الفقر وللارتقاء النوعي التنموي بالمستوى المعاشي سوى سنوات قليلة منتظرة.
علما بإن تركة العراق من تجاوزات وقيود صارمة عبر سنوات طويلة نسبيا من المعاناة الضاغطة المهددة لحقوق الانسان وحرياته وصلت لحدود لايمكن تقبلها في بلد ثري بموارده البشرية الشابة وتصل عوائده الريعية النفطية لألاف المليارات من الدولارات. بدءا نلحظ عالميا واقع صادم مفاده: " أن 1.3 مليار شخص لم يزل يعيشون في فقر متعدد الابعاد،ونصفهم تقريبا من الاطفال والشباب". ترتيبا على ذلك، لابد من الاهتمام الكبير بمعاناة الشباب والاطفال (يشكلون ما ينيف عن 40%) بل وحتى كبار السن من الجنسين نظرا لما يتعرضون له من أزمات إنسانية. واقع يقتضيإعمال تجارب عملية مبتكرة للتخفيف من نسب الفقر التي تصاعدت مؤخرا بشكل دراماتيكي تجاوز 30% لأسباب داخلية وخارجية يمكن تناولها في مقالات قادمة، بل أن مناطق الوسط والجنوب في العراق بضمنها محافظة ميسان (مسقط رأس السيد رئيس الوزراء السوداني) تقدم لنا نماذج واقعية عن حقائق صادمة عن نسب الفقر الذي اضحى ليس مجرد فقرا نسبيا بل فقرا مدقعا ايضا (بين 40 إلى 50 في المائة).
في البدء مع ترحيبنا بفقرات محاور المنهاج الوزاري إلا أننا نتوقع أن تترجم الوعود والآمال بجهود لاتكل تنهي على الاقل حالة الفقر المدقع من خلال اعتمادالآلياتالتنفيذية والتقنية وفقا لمدد زمنية توصلنالنتاج إصلاحي تنموي مستدام يفي باحتياجات ومطالب الشعب على المديات الستراتيجية.
خصص المحور الاول للمنهاج للحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر بإعتباره مسؤولية وطنية كبرى لابد للدولة ولكافة قطاعاتها (العامة والخاصة) الاضطلاع بها بغية التخفيفالجذري من عظم حجم معاناة شعبنا الاصيل الكريم. الحقيقة الماثلة للعيان تشير إلى ان ماتركته الحكومات السابقة من سوء إدارة ممتزج بسياسات للمحاصصة المقيتة والعقيمة تغطيها مآسي أنسانية ستنتقل تداعياتها لامحالة إلى الاجيال القادمة المعول عليها بناء العراق الحديث.
من المناسب الاشارة أبتداءا إلى التعريفات السوسيولوجية – النفسية - الاقتصادية للفقر كونها تمثل في بعد اساسي: «وضعية إجتماعية وإحساس بالانتماء إلى فئة أجتماعية تفتقد إلى الموارد الكافية". علما بإن للفقر أبعاد مهمة شاملة متنوعة متعددة ومتداخلة ذات تأثيرات وتداعيات إستراتيجية - إنسانية خطيرة على المستوى الستراتيجي العالمي ستنعكس سلبا على بلدنا وشعبنا. إذ لازال يعاني العراقيون من شغف عيش وتدهور مريع في نوع ومستوى معيشة أبنائهم رغم تمتع البلاد بخيرات ضخمة من الموارد البشرية والمادية الذي يفترض إن سخرت جيدا من خلال حكم رشيد Good Governance أن نتوقع وجود اعداد لاتذكر من الفقراء. من هنا أولوية التأكيد على السمة المميزة لإتساع دائرة الفقر وضرورة تضيقها لإن استمرارها يعمق الفجوة بين الاغنياء أو الاثرياء من جهة والفقراء من جهة أخرى، مع افتقاد مساحة حيوية لنمو الطبقة الوسطى المعول عليها في بناء البلاد حيث تراجع حجمها كثيرا.لعل من النماذج الواضحة المتوقعة لتصاعد ازمات الفقرغياب القوانين والاجراءات الرادعة للفساد والتي إن أحكم تطبيقها ستخفف من حدة الفقر نسبيا برغم تسجيل "قوة الشركات وثروة طبقة الملياردير إرتفاعا غير مسبوق، في حين كابد (او يكابد) الملايين للبقاء في ظل تآكل الحقوق العمالية ونوعية الوظائف".
من منظور مكمل نقر بإن موضوعة الفقر والحرمان لشعبنا مع كافة التداعيات والمخاطرالمستقبلية تأتي في ضوء غياب إصلاح ديمقراطي جذري للمنظومات السياسية التي تعتمد نهج المحاصصة السياسية – الاقتصادية والمالية والتي إن لم يتم تحجيمها كليا سينتهي بنا المطاف لعدم حصول تغيير نوعي في مستوى العيش الكريم بل ولن نصل لمستوى ومرحلة الرفاه الاجتماعي. اي أن غياب الامن السياسي - الاجتماعي والاقتصادي وتنامي حالة البطالة وانتشار ظاهرة الفساد بل وتجذرها تعد مقدمات خطيرة توصلنا لنتائج سلبية تنتهي تهميشا او تفتيتا للمجتمع وطاقاته بل تصل بنا إلى إضعاف متعمد أو غير مخطط له صورته الحقيقية معاناة واضحة لـ»الفئات الاشد ضعفا وتهميشا في مجتمعاتنا" مايمثل أنتهاكا صارخا لحقوقها وحرياتها الاساسية.
لعل من المحاور الاساسية للمنهاج الوزاري ما يخص برامج الحماية الاجتماعية ومكافحة الفقر:
اولا: أولوية تحسن كفاءة وإدارة شبكة الحماية الاجتماعية مع تصاعد نسبة الاعانة الاجتماعية (لم تحدد بعد) للعوائل المستحقة ضمن مشروع أصلاح جدي للحماية الاجتماعية بالاستفادة من منهجية المنظمات الدولية ذات العلاقة من جهة وبالتعاون مع الوزارات المعنية في المرحلة الانتقالية. علما بأن ما يجب توقعه أن تحدد الحكومة العراقية الجديدة مدى زمني مناسب للمشروعات الاصلاحية التنموية التي تنوي الشروع بها بشرط أن تحدد النسب المتوقع تخصيصها للفئات الاكثر تعرضا للضرر او للتهميش والحرمان او للمخاطر المزمنة او الطارئة (جائحة كورونا وتحوراتها، التلوث البيئي والتغيير المناخي).
ثانيا: إن اهتمام الحكومة الجديدة بحماية ورعاية الفئات الهشة أو الاكثر تعرضا للمخاطر، أمر مرحب به ولكنه يجب أن يكرس لأحترام الكرامة الانسانية عملا وليس قولا، إذ طالما سمعنا وشاهدنا بعض الاحداث المآساوية نقلا عن مواقع التواصل الاجتماعي تبين حالات من الاهانة لشرائح متنوعة من مراجعي دوائر الدولة خاصة من فئات المتقاعدين الذين قدموا لبلدنا خلاصة جهدهم وخدماتهم الجليلة.
ثالثا: إن دعم مشروع التنمية الاجتماعية لتحسين اوضاع المناطق الاكثر تعرضا للفقر وللحرمان سيتم من خلال التعاون المشترك والشراكة الستراتيجية مع صندوق جماعة البنك الدوليWorld Bank Group، مسألة لابد منها بل وتبنيها وتعزيزها مع كافة الصناديق السيادية للدول التي عقدت شراكات استراتيجية – اقتصادية مع العراق من عربية أوغير عربية.
رابعا: إن إصلاح مفردات البطاقة التموينية الغذائية مسألة حيوية على الاقل في المديات القصيرة (3 سنوات) مع أعتماد برامج الرقمنة Digitization Programs التي تمثل إنقاذا لحياة المواطنين التي عانت من هيمنة البيروقراطية الشديدة والفساد في غياب الحوكمة –الادارية الحديثة. ولكن الاهم أن توفر فرص عمل حقيقية تناسب التكييف مع أولوية برامج التنمية الانسانية المستدامة للقطاعات الاساسية للدولة من زراعة – صناعة وخدمات جوهرية تعنى بإستقطاب كفاءات وخبرات وطنية اولا أو دولية متخصصة توفر إمكانية جدية لتآهيل وتدريب الفئات الاكثر فقرا او حرمانا.
خامسا: لعل من أكثر المحاور الحيوية المرحب بها في المنهاج الوزاري تأسيس صندوق العراق للتنمية من وفورات النفط عقب ارتفاع عوائده و يتكون من صناديق متعددة متخصصة (مثل: الاسكان، التعليم، الزراعة، الصناعة، تكنولوجيا المعلومات وغيرها) بهدف تغذية البيئة الاستثمارية التنموية الجاذبة مع إغناء لبرامج التنميةالانسانيةالمستدامة - stainablehumandevelopment. مسالة يجب ربطها بموازنة 2023 بهدف تقليل البطالة، مكافحة الفقر والفساد ومعالجة الاخطار الطارئة بضمها في تقديرنا مواجهة الجوائح وظواهر التغيير المناخي القاسية التي وخلال فترة وزمنية قصيرة اوصلت البلاد والعباد لظاهرة جفاف شديدة أثرت بشكل خطير على الامن المائي والغذائي كونها ناجمة عن قلة المصادر المائية الداخلية أو التي تنساب عبر مجرى وادي الرافدين إنطلاقا من نهري دجلة والفرات وشبكات الانهار الفرعية مع دول الجوار. موضوع يحتاج مستقبلا للتفاوض الذكي المثابر مع دول الجوار (تركيا، ايران وسوريا) من أجل اقتسام الحصص المائية بصفة متوازنة عادلة. علما بإن للتنظيم الدولي دور تنموي فاعل تقوم عليه الوكالات المتخصصة لإنجاز مهام التنمية الانسانية المستدامة. علما بإن مكافحة الفقر وتداعياته الخطيرة لابد أن يؤسس لها صندوق خاص سيادي يشرف عليه السيد رئيس الوزراء بنفسه هدفه حماية الفئات الهشة الفقيرة من الاطفال، الشباب وكبار السن من الجنسين.
سادسا: إن تنويع الموارد ومصادر الطاقة مسألة هي الاخرى حيوية كونها إن نفذت فعليا ستخفف من تداعيات آثار الدولة النفطية الريعية كي تصل نسبة تمويل الموازنة من النفط إلى 80% فقط بعد أن كانت 96% او ما يقارب ذلك خلال 3 سنواتقادمة كما حددها المنهاج الوزاري. السؤال المنطقي هل ستوضع رؤية شاملة تدعم بآليات تنفيذية عملية مجدية وفقا لخطة استراتيجية شاملة وجادةوصولا للاهداف التنمية الانسانية المستدامة؟؟.
أخيرا: لابد للحكومة الجديدة أن تعزز ادوار منظمات المجتمع المدني المتخصصة ذات العلاقة تفعيلا للشفافية الاعلامية وللمحاسبة التشريعية والقضائية الحازمة لكل من له يد في ملفات الفساد الكبرى. المطلوب جهد وطني تبلور توجهاتهومساراته بيوت خبرة ذات مصداقية TankbodiesReliable هدفها إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقا لتطورات العصر وتقنياته سريعة الايقاع، مع إهتمام جدي لأنقاذ شرائح المجتمع الضعيفة والفقيرة او المحرومةبغية استعادة الكرامة، التماسك المجتمعي، هيبة البلاد وسيادتها الوطنية..دونها ستشهد البلاد اوضاعا غير متيقن منها مستقبلا.
أقرأ ايضاً
- الأخطاء الطبية.. جرائم صامتة تفتك بالفقراء
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي
- الغدير.. بين رأي السياسي وقراءة المخالف