- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المَلِك والقيصر والرئيس وسوق النفط العالميّة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
من شدّة خيبتي بالإقتصاد والإقتصاديين الذين يتحدّثون بشؤون النفط (ليس لدينا خبراء اقتصاديّون "نفطيّون" في واقع الحال، بل لدينا "مُهندسون" و"خبراء"، وعاملون في قطاع الطاقة يتحدّثونَ "اقتصاديّاً" بهذا الشأن).. ومن شدّةِ قرفي من "هراء" غير الإقتصاديّين، الذينَ يتحدّثونَ بطلاقةٍ يُحسَدونَ عليها عن شؤون الاقتصاد، والذينَ "لَعِبوا بنا طوبة" بتحليلاتهم وتنظيراتهم الفردوسيّة، أو نقيضتها الجحيميّة "الدانتيّة".. ومن فظاعةِ ما اخترقَ أجسادنا من "خوازيق" نفطيّة، ومن فداحة ما حلّ بجلودنا من "كدمات"ماليّة، وما شجَّ رؤوسنا من "بواري" ريعيّة.. إسمحوا لي أن أعرِضَ عليكم وجهة نظري (كمُتابِع فقط.. لأنّني "أنا" أيضاً لستُ مختصّاً بشؤون النفط والإقتصاديات النفطيّة) عمّا يجري الآن في سوق النفط العالمية.. لأنّهُ، حتّى في الإقتصاد، لا يوجدُ ماهوَ أكثر بذاءةً، وسُخريّةً، ومرارة، ممّا نحنُ فيهِ الآن.
إلى هذه اللحظة، لم تتقاطَع سياسات "أوبك" –السعوديّة– الأمريكيّة (وهي ذاتها اجراءات وترتيبات "أوبك+" السعوديّة- الروسيّة في التعامل مع متغيّرات السوق النفطية)، مع مصالِح "قيصر" الإمبراطورية الروسيّة – البوتينيّة ("المُنْتَفِش" جدّاً هذه الأيّام بـ "فتوحاته" الخارجيّة) على تقاسم الحصص في السوق النفطيّة.
وما أعلنتهُ الولايات المتحدّة الأمريكية عن مقاطعتها للنفط والغاز الروسيين، ليس مؤثِّراً في سوق الطاقة، وليسَ لهُ قيمة، لأسبابٍ كثيرة، أهمّها أنّ الولايات المتحدة لا تستوردُ أكثر بـ 3% من حاجتها للنفط والغاز من روسيا، مقابل استيراد دول الإتّحاد الأوروبي لـ أكثر من 40% من حاجتها من الغاز من روسيا، وأكثر من 30% من احتياجاتها النفطيّة.
إنّ بايدن يسعى الآن (وبعد فوات الأوان) إلى "تأديبِ" بوتين، من خلال ضربهِ أسفل البطن، حيثُ تكمُنُ هناك (مع الأسف الشديد) أهم مصادر تمويل التدخل الروسي في الشؤون الدولية (سياسياً وجغرافيّاً)، وأهم أدوات قمع المُعارضينَ داخليّاً (وأعني بها هنا النفط والغاز الروسيّان تحديداً).
بوتين هذا (وليَزْعَل عليّ من يزعَل)، حوّلَ روسيا ، من وارثة للماركسيّة اللينينيّة -الثوريّة- البروليتاريّة، إلى امبراطوريّة -ريعيّة– قيصريّة على الطراز المافيوي "البوتيني".
ومنذُ ما يقرب من ثلاثينَ عاماً وبوتين هذا يحكمُ روسيا، مثل أيّ دكتاتورٍ عاديّ.
وقبل ما يقرب من عامينِ، حصل "القيصر فلاديمير" هذا على تفويضٍ من مجلس الدوما الروسي، يجعلُ منهُ رئيساً بسلطات مُطلقة لغاية عام 2036.. أي تفويضاً بأن يكونَ قيصراً روسياً مدى الحياة (أيّ الأجلين أبعد).. مع العلم أنّهُ الآن على اعتابِ السبعين من عمرهِ، الذي يبدو للروس (وبالذات للمُعارضين منهم)، مديداً جداً.
ولكن ماكان يحدثُ دائماً، من إنصياعٍ تلقائيّ للسعودية – الملكية، لأوامر الإدارة "الإمبريالية" -الأمريكيّة (لغاية نهاية عهد ترامب).. يوم كانت السعودية (عندما يشّح المعروض، وترتفِع الأسعار)، لا تكتَفي بزيادة إنتاجها من النفط، بهدف خفض سعرهِ فقط، بل وتضغط على المنتجين الآخرين، ليفعلوا الشيء ذاته.. أقول إنّ هذا السلوك "الذَيْلي" الصريح، لم يحدُث هذه المرّة (في عهد بايدن)، وأيضاً لأسباب كثيرة لستُ معنيّا بسردها في مقالٍ كهذا.
ولهذا فإنّهُ من غير المُحتمَل أن تتراجع مكاسب السوق النفطية، وأن تنخفِض الأسعار بشدّة على المدى القصير، على الأقل لأن جميع المنتجين يُنتِجونَ الآن بأقصى طاقتهم، وأنّ لا أحد منهم سيكونَ قادراً على تعويضٍ "مؤثِّر" لحصّة روسيا منه.. ولأن الكُلُّ لا يُريد التفريط بمصالحه الراسخة، لمجرّدِ تمرُّغِ "القيصر بوتين" في الوحل الأوكراني المتحرّك، ولأنَ الكُلّ على استعدادٍ أيضاً لأن يبقى "عاضّاً" على أصابعه لأطولِ مّدةٍ ممكنة، في انتظار ما ستفسر عنه الصفقات والمساومات السياسية بين جميع الأطراف.
بل..(وهنا تكمنُ المفارقةُ "الفنطازية" لسلوك الإقتصاديّات النفطيّة في "الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة "الناتويّة")، فإنّ القيصر فلاديمير، ربّما سيستفيدُ كثيراً، بل وقد يُحقّق مكاسب كبيرة من ارتفاع أسعار النفط والغاز، وبأكثر بكثير من خسائره بسبب تقليص حصّته في السوق العالمية بسبب العقوبات.
ولهذا .. لن يُنقذُ الدول النفطية، من المصير البائسِ الذي ينتظرها (مُلوكاً، وزعماءَ، وشعوباً وقبائلَ و"كُتَل" .. ومعظمها محكومةً بدكتاتوريّات استبداديّة – ثيوقراطيّة صريحة)، غيرَ أن يصرخ بوتين أوّلاً من شدّةِ عَضّهِ على أصابعهِ السوفيتيّةِ السابقة، وأصابعهِ "القيصريّة" الحاليّة، وأن يُقِرّ بعجزهِ عن الإستمرار في إدارةٍ شَرِسةٍ، لحربٍ مُدمّرة لجميع الأطرافِ المُنخَرِطةِ، و"المخروطةِ" فيها.
عندها سيذهَبُ "زلينسكي" (أو من يتمّ تنصيبهُ بدلاً عنه) إلى الكرملين.. ويذهب بوتين لزيارة الجنادريّة، ليرقصَ"العَرْضَة" مع "المَلِك".. أو يذهَب محمد بن سلمان إلى "البولشوي"، ليرقصَ الباليه .. أو يذهبَ الأربعةُ معاً إلى بايدن، ليرقصوا جميعاً الروك أند رول، على حسابِ "جثثنا" الإقتصاديّة والسياسيّة "المُنفّطة" بالحربِ الروسية الأوكرانيّة.
سيتعانقون.. ويُقبّل بعضهم بعضاً.. وسيعود سعر النفط "السحري" و"العادِل"، إلى معدّلهِ "المُرضي" للمستهلكين والمنتجين (أي في حدود معدّل سعر يتراوح بين 70-75 دولار للبرميل).. ولو بعد حين.
عندها سيفرَح عباد الله "النفطيّين"، وعبادُ الله "الزيتيّين"، وعباد الله"جماعة الـ 100 ألف غلاء معيشة".. ومعهم سيفرح عباد الله الصالحين، وغير الصالِحين.. المغضوبِ عليهم.. و"الضّالين"..
آمين.
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- انخفاض اسعار النفط وهدهد سليمان القادم من الصين
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا