عباس الصباغ
لايختلف اثنان في ان الطريق لن يكون امام السيد الكاظمي سالكا في ظل مناخ سياسي مضطرب ويعجّ بالتناقضات والاستعصاءات والاشتراطات والاملاءات والازمات والانسدادات ، كما لايختلف اثنان حول صعوبة المهام التي ستناط بهذه الحكومة فهي حتما ستكون من اصعب المهام التي انيطت بجميع رؤساء الحكومات المتعاقبة ، فالمطلوب اولا من السيد الكاظمي اعادة ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية المتعثرة وعليه ان يختار كابينته الوزارية باحتراف عالٍ ومن العناصر النزيهة والكفوءة وذلك لمعالجة آثار وتراكمات عيوب التأسيس الدولتي الاخير (2003) وماتركه من آثار سلبية على مجمل المشهد العراقي وهي عيوب بنيوية كارثية اطاحت بثمرة التغيير النيساني وافرغته من محتواه وبددت حلم الجماهير المسحوقة بغدٍ افضل ، ووضع الحلول الناجعة لمعالجتها وبخطط مدروسة لها باستشارة ذوي الخبرة (التكنوقراط ) المختصين بذلك ، لقد جاءت هذه الحكومة بحسب تكليف رئيس الجمهورية الذي اضطر ليمارس حقه الدستوري في تعيين رئيس الوزراء ، بعد ان فشلت اغلب الكتل السياسية في اختيار رئيس حكومة بديل عن حكومة السيد عادل عبد المهدي المستقيلة وبعد العيش لشهور طويلة تحت ظل حكومة تصريف الاعمال وناقصة الصلاحيات الدستورية في وقت يعيش فيه العراق احلك ظروفه السياسية والامنية والصحية ، كما انها جاءت على خلفية المظاهرات المليونية التي اندلعت من اجل الاصلاح الشامل للعملية السياسية ووضعها على السكة الصحيحة ، لذا انها ملزمة بتنفيذ المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين ، ويجب ان يتوافق البرنامج الحكومي الذي يطرحه السيد الكاظمي مع تلك المطالب وحسب خارطة الطريق التي وضعتها المرجعية الرشيدة والتي كرّرت فيها تأكيداتها على (الضرورة القصوى في الاستعجال بإجراء انتخابات مبكّرة وبرعاية اممية) لتأتي بطبقة سياسية تختلف جذريا عن الطبقة السياسية التي كانت متصدرة للقرار السياسي من جهة ، وبعيدة تماما عن المنهج التشاركي/ التوافقي/ التحاصصي الذي تمأسست عليه العملية السياسية وتجسّد ذلك في حكومة مجلس الحكم الانتقالي التي عدّت القاعدة التأسيسية التي ترسخت وفقها جميع الحكومات اللاحقة وهو منهج اريد له ان يحتوي تناقضات الفسيفساء العراقية وعدم تصادمها من جهة اخرى ، ولكن الذي حصل هو العكس تماما فقد صار هذا المنهج سيئ الصيت جسرا لتجذير التشظي السياسي / السوسيولوجي / الاثني وتفتيت الرأي العام العراقي وتوصيل الشارع العراقي الى درجة الاحتقان الذي ادى الى انفجار تشرين الذي استمر أواره لحد الان، كما تسبب هذا المنهج في استشراء الفساد المالي والاداري في جميع مفاصل الدولة العراقية مايجعل العراق على رأس قوائم معايير الشفافية الدولية التي تؤشر الفساد المستشري في دولة ما ، فضلا عن اسهام هذا المنهج في تبديد تريليونات باهظة من موازنات العراق لأكثر من عقد ونيف من الزمن ، وسبّب تدنيا في المستوى المعيشي وتغوّل ظاهرة الفقر المدقع لأغلب المواطنين ، لذا سيكون من اولى مهام السيد الكاظمي الالتزام بخارطة الطريق التي طرحتها المرجعية الرشيدة ومن ضمن تلك المهام ـ كما اسلفنا آنفا ـ التمهيد لإجراء انتخابات مبكرة كونها المطلب الاستراتيجي لساحات التظاهر والاعتصام والمخرج الحقيقي لوصول البلاد الى بر الامان، بعد استكمال المستلزمات المطلوبة لذلك ، أمّا المهمة الأخرى والتي لاتقل صعوبة عن غيرها فهي تحقيق التنويع في الموارد الداخلة في الموازنة المالية العامة وتنشيط بقية القطاعات الاقتصادية مثل الزراعة والصناعة والسياحة وفتح باب الاستثمار وذلك من اجل تنويع مصادر تمويل الموازنة المالية لكسر احتكار النفط للاقتصاد العراقي الريعي وهو ما سيساهم في تقليل نسب العجز المزمن في تلك الموازنات على اقل تقدير .
والمهمة التي ستكون الاصعب امام كابينة السيد الكاظمي هي فرض سلطة القانون وبسط هيبة الدولة من خلال حصر السلاح بيدها وضبط المجاميع المليشياوية المنفلتة وتقديم من تورط في قتل المتظاهرين السلميين او ساعد على ذلك الى العدالة ، وعليه ان يوازن بين املاءات الكتل السياسية ومطالب الشارع العراقي، وعلى حكومة السيد الكاظمي ان تحافظ على سيادة واستقلال العراق وسط هذا الكم الهائل من التجاذبات الاقليمية والدولية واثرها على الامن القومي العراقي وغيرها. وقائمة المهام الصعبة تطول وعلى هذه الحكومة ان تحل جميع الاشكالات التي ترسبت عن الحكومات السابقة وتضع برنامجا مرضيا للجميع لحلها وهي حكومة حل الازمات ـ كما يصفها رئيسها ـ وليس ترحيلها او غض الطرف عنها فلايوجد متسع من الصبر والوقت لذلك.