- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
محنة الامن الغذائي في العراق في زمن كورونا
بقلم: د. عبد المطلب محمد عبد الرضا
هل سيبقى العالم على ما هو عليه أم أن هنالك الكثير من الامور التي سيصيبها التغيير والتبديل نتيجة ما كشف زيفه فيروس كورونا من ضعف الانظمة السياسية وهشاشة المؤسسات الصحية ومحدودية التقنيات العلمية وضعف المنظمات الاممية وظلم العلاقات الدولية وسيطرة القوي على الضعيف من دون وجه حق وخواء الانسان المعتد بنفسه وقدراته وعلمه أمام كائن لا يرى بالعين المجردة نشر الرعب والهلع في جميع أرجاء المعمورة.
ان من الجوانب السلبية العديدة التي افرزها فيروس كورونا هو اصابته للنشاط الزراعي والصناعي والاقتصادي لجميع الدول بشلل شبه تام مع قطع المواصلات والتبادل التجاري والتنقل ما بين الدول أو تقليله الى ادنى حد ممكن نتيجة الخشية من أن يصاب العاملون في هذه القطاعات بالفيروس اثناء أدائهم لاعمالهم أو استيراد الفيروس القاتل من الخارج مع ما يأتي من بضائع ومواد. وفي بلد يستورد أغلب مواده الاستهلاكية ومن ضمنها المنتجات الغذائية من الخارج ينبغي ان يفكر من بيده المسؤولية مليا في مستقبل أمنه الغذائي القريب والبعيد ويعمل على تأمينه من الآن بخطوات علمية مدروسة بعيدا عن التصريحات الاعلامية فاحتمالات بقاء الفيروس واستمرار الازمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عنه قد تمتد لفترة طويلة.
في بيان مشترك نادر لمسؤولي ثلاث منظمات أممية (منظمة الاغذية والزراعة الدولية, منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية) نبهوا فيه الى خطورة حدوث أزمة غذائية عالمية. فخطورة شحة المواد الغذائية موجودة بالفعل بسبب الاضطرابات في التبادل التجاري ما بين الدول من جهة وفي خطوط الامداد والتموين من جهة آخرى التي احدثها فيروس كورونا.
لقد أشار المسؤولون الثلاث في بيانهم (بأن عدم اليقين المرتبط بتوفر المواد الغذائية قد يمهد لموجات من تقليص تصديرها والتي تؤدي بدورها الى شحة المواد الغذائية في الاسواق الدولية). وبالفعل اقترح كلا من وزير الاقتصاد ووزير الزراعة الروس مشروعا لتحديد كمية الحنطة المصدرة للخارج هذا مع العلم بأن روسيا هي البلد العالمي الاول المصدر للحنطة.
قد يكون هنالك من المواد الغذائية ما يكفي لجميع سكان الارض ولكن تداعيات فيروس كورونا على العديد من المجالات المتعلقة بأنتاج وتوفير ونقل المواد الغذائية محليا ودوليا قد يؤدي الى نقص المعروض منها في الاسواق العالمية وارتفاع أسعارها والى زيادة التنافس عليها وصعوبة الحصول على المواد الغذائية المطلوبة كما حصل حديثا بخصوص المعدات الطبية الخاصة بمكافحة فيروس كورونا كالكمامات وأجهزة التنفس وغيرها من المعدات الطبية واستحواذ بعض الدول على شحنات وطلبات دول أخرى حليفة لها عن طريق دفع مبالغ أكثر. وفي حالة بلد يستورد المواد الغذائية من النبك الى الرز مرورا بالشامية والجبس والحليب ومشتقاته ومعجون الطماطا والاسنان قد تصبح الامور أكثر صعوبة في الحصول على ما يحتاجه من مواد غذائية في حالة استمرار تداعيات أزمة كورونا لفترة طويلة.
ان هذه الازمة الصحية العالمية وما يرافقها من تداعيات تضع تساؤلات ملحة ومشروعة أمام انظار المسئولين في المجال التجاري والزراعي والموارد المائية والصناعة في العراق حول ضرورة العمل الجاد لتأمين الامن الغذائي والاستعداد لكافة الاحتمالات والتوقعات وخاصة السلبية منها التي قد تنتج عن فيروس كورونا في مستقبل الايام.
ان أغلب البلدان في العالم تمتلك في العادة خزين غذائي استراتيجي يكفي لاستهلاكه المحلي لعدة أشهر واحيانا لاكثر من سنة مكون بشكل اساسي من الحبوب الجافة والزيوت والمواد المعلبة توزع للاستهلاك المحلي في حالات الضرورة القصوى أو عند حدوث ظرف غير متوقع كما هو الحال في الوقت الحاضر. فهل يملك العراق مثل هذا الخزين وهل يمكن الاسراع في تكوينه ؟
من الملاحظ ان في كل مرة يعلن فيها العراق وصوله الى حالة الاكتفاء الذاتي في مادة غذائية معينة يحدث ما هو غير متوقع كنفوق الاسماك المحلية في عام 2018 بعد أيام قلائل من الاعلان عن الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الغذائية. واليوم يحدث ما حصل بالامس فبعد الاعلان عن وصول العراق الى الاكتفاء الذاتي من مادة الحنطة والشعير بدأت أيادي داعشية وخفية بحرق حقول الحنطة في مناطق مختلفة مع اكتشاف نقص في كميات الحنطة المخزونة في احدى السايلوات وربما في سايلوات أخرى. كل هذا يحصل في هذه الظروف العصيبة مما يثير الشك ويبعث على الريبة ويدعوا الجهات المعنية الى اتحاذ اللازم وبأسرع ما يمكن.
ان العراق بلد زراعي ولكنه لا يزرع ما يكفي لاسباب عدة منها عدم كفاية المياه التي تأتي من خارج حدوده الوطنية. ومن هنا ينبغي المحافظة على الموارد المائية المتوفرة والبحث عن مصادر غير تقليدية لزيادة كمياتها, والمحافظة على المزروعات وخاصة المحاصيل الاستراتيجية من التدمير والعبث والفساد, وتوفير المستلزمات الزراعية الضرورية للانتاج الزراعي النباتي والحيواني كالاسمدة والمبيدات والمعدات الزراعية, والاهتمام ورعاية وانشاء الصناعات التحويلية للمواد الغذائية, والاستعداد والتحضير لبناء خزين استراتيجي من المواد الغذائية الاساسية. وأخيرا فأن الاعتماد على النفس والامكانات البشرية والمادية المحلية لتوفير ما يحتاجه العراق من مواد غذائية هو الطريق الآمن والاسلم للوصول الى الامن الغذائي.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى