محمد صالح صدقيان
يخطأ من يعتقد ان التظاهرات التي شهدتها المدن العراقية كانت عفوية دون محرك ودافع داخلي كان ام خارجي، كما يخطىء من اعتقد ان المتظاهرين ماجورون وعملاء مدفوعون من اجهزة مخابرات داخلية اوخارجية. لكن الاكيد انها كانت مختلفة عن سابقاتها ان في الحجم او النوع، بمعنى ان التظاهرات التي خرجت خلال الاعوام 2015 و 2016 كانت معنونة باسم التيار الصدري، الا ان الاحتجاجات الحالية لم يقف ورائها حزب او تيار، او على الاقل لم تعلن جهة محددة على مطالبها وادارتها لهذه الاحتجاجات وهذا ما اعطى خطورة لهذا التحرك السياسي الاجتماعي. الامر الاخر الذي لايقل خطورة عن سابقه ان الاحتجاجات اقتصرت على المدن ذات الاغلبية الشيعية ومنها العاصمة بغداد، دون المدن ذات الاغلبية السنية او الكردية مما اعطى انطباعا اخر ان وسطا معينا هو المستهدف بهذه الاحتجاجات دون غيره.
وبعيدا عن الجهة التي تقف وراء هذه الاحتجاجات فان الوضع الداخلي العراقي مهيأ لمثل هذه الاحتجاجات او اكثر منها، بسبب عوامل متعددة اهمها فقدان المواطنيين لأمل الاطمئنان للمستقبل على الرغم من مضي مايقارب 16 عاما على سقوط النظام السابق. فالكل يعيش حالة من الضياع المستقبلي ولايدري ماذا سيحصل غدا او بعد غد او بعد شهر او سنة او عشرة سنوات. هذا الامر ينطبق على الاستاذ الجامعي كما انه ينطبق على العامل والكاسب والطالب والطبيب والمهندس، اضافة الى ان الجميع يشعر بحالة احباط من الاداء الحكومي والبرلماني الذي لم يستطع ان يؤمن المستقبل او يبشر بوجود مستقبل واعد. وايضا حالة من الاختناق الشعبي من جراء الظواهر الشاذة التي تتجسد في الفساد المستشري في كافة المواقع الذي اصبح مقننا في الكثير من مفاصله. وفي حكومة السيد عادل عبد المهدي كانت الاوساط الشعبية تامل ان يصار الى تعديل المسارات السياسية والاقتصادية وخصوصا تلك المتعلقة بالمحاصصة السياسية والحزبية لكنها لم تقدم على ذلك بل انها تجذرت بشكل اكبر لتشمل الاحزاب والمجموعات المسلحة لتكون في دخل البرلمان والحكومة.
لم يصب رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي عندما وعد بتخصيص راتب للعوائل المحتاجة ونسى ان المحتجين لايريدون راتب بقدر ماهم بحاجة لعمل وحاضر ومستقبل. انهم يريدون من يمنحهم المستقبل. هذا المجهول الذي ينظرون اليه دون ضوء في اخر النفق. ان الاداء الحكومي في كافة مفاصله الاتحادي والمحلي لايرتقي الى مستوى المسؤولية وهو الذي ضغط ويضغط على المواطنين الذي اولد الاحباط والاختناق والتشنج لدى الشارع.
في العامل الخارجي، لايمكن ابعاد التطورات التي تحدث في العراق عن التطورات الاقليمية والدولية. خلال الاشهر الستة الماضية حدثت عدة تطورات في المنطقة لم يكن العراق بعيدا عنها. ضرب مخازن عسكرية تابعة للحشد الشعبي. فشل لقاء الرئيسين الايراني حسن روحاني والامريكي دونالد ترامب. مهاجمة منشأءات نفطية تابعة لشركة ارامكو السعودية. فتح معبر البوكمال بين العراق وسوريا. زيارة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للصين. رغبة امريكية جامحة لمحاصرة ايران اقتصاديا وسياسيا وامنيا وفشلها لحد الان من فرض حصار اقتصادي شامل على ايران. زيادة قدرة حركة انصار الله في اليمن. رغبة الحكومة الامريكية بتقليم الاظفار الايرانية بل قطع اليد الايرانية في العراق. اتهام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اسرائيل بوقوفها وراء استهداف مخازن الحشد الشعبي.
بعض السياسيين في الداخل توقع حدوث الاحتجاجات في شهر اكتوبر او كما نوه عنها في الشهر العاشر، لكني اعتقد ان قرار الاحتجاجات تم التفكير به منذ بداية العام الحالي لكنه كان ينتظر ساعة الصفر الملائمة. هذه الساعة تقررت على خلفية قضية عبد الوهاب الساعدي التي تم استغلالها لانطلاق شرارة الاحتجاجات.
من المفترض ان الحكومة الان استلمت رسالة واضحة من الجهة التي ارادت ارسال. وافترض ايضا ان السيد عبد المهدي يعرف الان واضحا من يقف وراء الاحتجاجات واستلم رسالته بالكامل التي تحمل عدة مطالب. وخيرته بين امرين، اما الاستجابة لهذه المطالب او استمرار الاحتجاجات. في المقابل اللاعبيين المحليين ايضا هددوا عبد المهدي من الاستجابة لهذه المطالب حيث ارسلوا رسالة واضحة باسقاط حكومته حيث طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر استقالة الحكومة وهي رسالة تحذيرية واضحة للسيد عبد المهدي بعدم الرضوخ للمطالب الخارجية والا فان خيار سقوط الحكومة موضوع على الطاولة.
[email protected]
أقرأ ايضاً
- درجال والمهمات الصعبة
- رئيس الوزراء المكلف بين الوصول الى يوم التصويت ومطبات الطريق الصعبة
- عادل عبد المهدي والخيارات المفتوحة