حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ وسط أجواء كرنفالية واحتفالية واضحة مع متابعة جماهيرية قلقة خوفَ الإخفاق والفشل صوَّت مجلس النواب في دورته البرلمانية الثالثة ـ ربما لأول مرة في تاريخه ـ بأغلبية مريحة(177 صوتا)على إعطاء الثقة لحكومة د. العبادي وكابينته الوزارية وبرنامجه الوزاري فضلا عن التصويت وبأغلبية مريحة ايضا على نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء وقد كشفت خارطة طريق كابينة السيد العبادي الوزارية (24 وزيرا) عدا وزارتي الدفاع والداخلية المؤجلتين لفترة محدودة، والتي قدمها للبرلمان لتحظى بثقته، وطرق وآلية توزيع الحقائب الوزارية وهي كما يبدو أنها حكومة شاملة لجميع المكونات ولم تستثنِ طيفا او مكونا او لونا حزبيا معينا ..كشفت عن الصعوبة البالغة في تشكيل هذه الكابينة والطرق الوعرة والشائكة الذي سلكها السيد العبادي في إدارة بوصلة التوافقات في مناخ سياسي يعج بالتناقضات والاستعصاءات والنسب العالية من سقوف المطالب والاشتراطات والاملاءات والتلويحات المستمرة بالانسحاب من العملية السياسية وعدم المشاركة في هذه الكابينة إلا بشروط مسبقة، وكشفت عن الصعوبة البالغة في خلق التوازنات المطلوبة وضمان مشاركة الجميع في الحكومة لتكون حكومة الجميع وللجميع المنخرطين في الفسيفساء العراقي الزاخر بالتلاوين المكوناتية والعرقية والاثنية والمناطقية، وقد استفتحت حكومة د. العبادي عملها في خضم حزمة كبيرة من المشاكل السياسية والأمنية والاقتصادية لعل أبرزها قضية مجزرة "سبايكر" والكشف عن ملابساتها وسيناريوهاتها الغامضة والوصول الى الفاعلين والاقتصاص منهم لتأخذ العدالة مجراها ولتهدئة فورة الرأي العام الهائج فليس مستغربا أن يأتي الملف الأمني في قمة أولويات برنامج السيد العبادي بسبب التحديات الكبيرة التي يشهدها العراق بعد ان سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مناطق واسعة من البلاد وقضم منها مايريد لإنشاء مايسمى بالدولة "الإسلامية" او مايسمى بدولة "الخلافة " فمسؤولية تحرير التراب الوطني من هذه العصابات المجرمة تكون بطبيعة الحال أولوية كبرى للسيد العبادي بصفته الدستورية القائد العام للقوات المسلحة والمسؤول الاول عن الملف الأمني وايضا تعيين وزراء أكفاء لشغل الحقائب الأمنية (الداخلية والدفاع) وعدم تركها للأهواء الحزبوية والمناكفات السياسية او إدارتها بالوكالة يضاف الى ذلك التداعيات التي تركها عدم إقرار الموازنة الاتحادية على مجمل الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية والخدماتية والمستوى المعيشي للمواطن البسيط وبقراءة متأنية للبرنامج الحكومي المقترح الذي قدمه د. العبادي للبرلمان والذي جاء هو الآخر شاملا لجميع تفاصيل الحياة ومفاصل الأداء الحكومي يجد المتابع ان هذا البرنامج المقترح وبمحاوره الستة الأساسية إن أولوياته الإستراتيجية قد توزعت مابين الأمنية والخدماتية والاقتصادية: (عراق آمن ومستقر ـ الارتقاء بالمستوى الخدمي والمعيشي للمواطن ـ تشجيع التحول نحو القطاع الخاص ـ زيادة إنتاج النفط والغاز لتحسين الاستدامة المالية ـ الإصلاح الإداري والمالي للمؤسسات الحكومية ـ تنظيم العلاقات الاتحادية – المحلية).وفي تفاصيل وحيثيات تلك المحاور يجد المتابع أكثر من خارطة طريق للارتقاء بتلك المحاور كونها تتعلق بحياة المواطن العراقي الذي ذاق الأمرَّين وتتعلق بمستقبل البلاد وتنظيم الحياة السياسية داخل البلاد والعلاقات مابين المركز والمحافظات والأقاليم وتنظيم العلاقات مابين العراق ومحيطه الإقليمي والدولي وتنشيط القطاعات الاقتصادية كالزراعة والصناعة والنفط السكن وتحسين المستوى المعيشي للشرائح المسحوقة ومكافحة الفساد وغير ذلك من التفاصيل التي تُنبئ بان أمام السيد العبادي بموجب البرنامج الوزاري الذي طرحه والمؤمل ان لايكون حبرا على ورق الكثيرَ من المهام الصعبة ـ وليست المستحيلة ـ على المستويين الداخلي والخارجي ويبقى الملف الأمني يشكل التحدي الأكبر لهذه الحكومة الفتية التي رأت النور عن قريب. ان حكومة د.العبادي هي الحكومة الوحيدة التي تختلف عن الحكومات السالفة لها فهي بالإضافة الى المرونة العالية والانسيابية التي حظيت بها تحت قبة البرلمان إبّان التصويت عليها فقد حظيت بترحاب إقليمي (لاسيما من بعض دول الجوار ومنها السعودية) وترحاب دولي واسع وبغض النظر عن أسباب هذا "الترحاب" وكوامنه ودوافعه فان هذا الترحاب يكشف عن الدور الفاعل للعراق وعلى كافة الأصعدة الإقليمية والدولية والأممية وعن التوجه الصائب في سياسات العراق الخارجية بعدم الانزلاق في أتون الصراعات السيا/طائفية التي ينوء بها الشرق الأوسط والابتعاد عن سياسة المحاور والتدخل في الشؤون الداخلية للدول كما يكشف عن الدور الذي من الممكن ان يلعبه العراق في إعادة التوازن المطلوب الى متون الشرق الأوسط بعد تفشي ظاهرة الإرهاب فيه وتلاعب بعض الدول بمصير شعوبه وتنفيذ أجندات رخيصة خاصة من بعض الدول المجهرية التي تحاول أن تتلاعب بالمجال الجيوبوليتيكي للدول ذات الحضور الإستراتيجي العالمي كالعراق.. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
- ما هكذا تُورَدُ الإبلُ يا حكومة السوداني