بقلم: د. احسان الشمري
كان متوقعاً ان ينفرط عقد التحالفات المرحلية بين الاصلاح والبناء ومن ثم انهيار بنيوية كل تحالف، لكونها جاءت كجزء من سياق الوصول للسلطة التنفيذية، وعدم امتلاكها برنامج عمل سياسي متفقا عليه بين القوى المؤتلفة داخل كل تحالف، مع استمرار تصادم المصالح والتدافع للظفر بأكبر عدد من المناصب في ظل التوجه لإعادة هيكلة الدولة برؤية ومنهج وتقاسم جديد، فضلاً عن المتغيرات الدولية والإقليمية وتصاعد هامش الاشتباك بين الولايات المتحدة الامريكية وايران وامكانية تبدل موازين القوى في الداخل العراقي؛ كل هذا واكثر كان محفزاً لقوى واحزاب وتيارات للانسلاخ السياسي من هذه التحالفات لأجل اعادة تموضعها من جديد.
كان لفاعل الاستئثار السياسي لسائرون والفتح بالقرار والتوجه للدولة ومؤسساتها بحكم تفوقهم العددي في البرلمان العراقي (حسب التصريحات لعدد من زعامات وشخصيات من داخل تحالفي الإصلاح والبناء)، هو الاساس للقاء الأضداد، القانون والحكمة والنصر؛ اذ استفاقت هذه القوى على معادلة اخرى غير المتفق عليها (دولة بدون محاصصة)، وبدأوا يستشعرون بأن التقسيم الجديد يسير بعيداً عما اتفق عليه في بداية تشكيل الحكومة؛ فالأمر تجاوز الحقائب الوزارية التي تخلى عنها الى حد ما (المتفاهمون الجدد) الى الهيمنة على مناصب الدولة من قبل شركائهم؛ فالعقل السياسي العراقي ما يزال تسيطر عليه الفلسفة التي تقول ان من بالدولة ومناصبها فهو ضامن لمستقبله السياسي وأثره بصنع القرار.
كما ان عدم عودة سائرون _ الفتح لمنظومات تحالفاتهم الأولية للتحاور العميق واشراك الجميع كحلفاء مصير، اعطى الضوء الأخضر للتحرك بوجود تفاهمات جديدة تكون بوابة لتشكيل كتلة تكون ضاغطة على سائرون _ الفتح من جهة وعلى رئيس الحكومة من جهة اخرى.
تحالف الملفات، عنوان أولي، للمتفاهمين الجدد، الغرض منه استقطاب اكبر عدد ممكن من القوى البرلمانية لمشروعهم، وبالتالي إعاقة صفقة اعادة هيكلة الدولة لطرفين فقط برلمانياً، وقد لا يتوقف الأمر عند هذه المساحة البرلمانية، بل المرجح ان يمضي ابعد من ذلك حسب مقاربات هذه القوى، وبذلك نصبح امام مشهد تحالفي تخالفي حول مفهوم الكتلة الأكبر، ما يعني العودة للحظة الصفر وحساباتها وارقامها المتصاعدة دون توقف.
الوضع اصبح معقد سياسياً ويحرج الحكومة التي هي بأمس الحاجة لمناخ توافقي برلمانياً يمهد لها الطريق نحو انجاز العديد من الملفات واجراء اصلاحات يتنظرها الشعب منذ 16 عاماً، بعد ان اتفق الجميع، المرجعية الدينية والقوى السياسية، على انها حكومة الفرصة الأخيرة!
امام هذا الانغلاق السياسي، نجد أن هناك ثلاثة مسارات يمكن للفاعل السياسي اختيار احدها:
الاول: عودة كل من سائرون والفتح لمنظوماتهم السياسية وبناء الثقة داخل كل تحالف والانطلاق لتفاهمات الجميع وبما يعزز من الاستقرار السياسي والعمل المشترك خدمة للشعب ولنهج الإصلاح المنتظر.
الثاني: تحرك رئيس الحكومة نحو كل القوى السياسية، من خلال طاولة حوار وطني لإنهاء الخلافات وبما يحقق مصالح الجميع دون تهميش وإقصاء لأي طرف بالمعادلة السياسية.
الثالث: ان يتمسك تحالف الملفات، ما لم يتم احتواؤه من خلال المسارين الاول والثاني، بخيار الكيان الجديد وهذا سيكلف العملية السياسية الحالية الكثير.
أقرأ ايضاً
- تحالفات خاسرة قبل أن تبدأ..
- الرئيس أشرف غني.. وتحالف (الفساد) و (الإرهاب) في أفغانستان
- لا قيمة لجميع التحالفات وعلى الكتل التفكير بدور المعارضة