بقلم: كاظم المقدادي
تجري في هذه الايام، منافسة ومزايدات مبتذلة لكسب ود بغداد.. المدينة الحزينة المستباحة، مدينة التفايات والضياع.
كانت عاصمة النور للدولة العباسية، فاصبحت عاصمة الظلام لدولة منسية، كانت ايقونة مضيئة في العهد الملكي، فأصبحت مدينة مهمشة في العهد الجمهوري.
ورغم هذا وذاك.. تتنافس الاحزاب الفاسدة للفوز بامانة بغداد، وتنصيب امين لا يؤتمن، ليس حرصا على إعمارها، بل طمعا في تخصيصاتها ومواردها وسطوتها.
بغداد بناها المنصور.. ودمرها العيساوي، وزادها عبعوب خرابا من حفر و طفح من المجاري، اما السيدة علوش فقد ظلت حائرة خائرة، وحجتها هيمنة الميلشيات، والعصابات، ونقص في الواردات، و زيادة في العشوائيات والبسطيات.
اليوم / رغبت بجولة بغدادية مشيا على الأقدام، لأرى ما لا يراه الأمناء، ولا يهتم به الوزراء، لمدينة بابها المعظم مخلوع.. وبابها الشرقي مرفوع.
هذه ساحة الميدان امامي..صارت ملحقا لخردة وبسطيات سوق هرج، كانت نقطة انطلاق جميلة لشبكة نقل بباصات حمر من طابقين، تتوزع بشراينها على الرصافة والكرخ، وكان البغداديون يصطفون ولا يتدافعون، ينتظرون ولا يتافأفون، ويسمحون لكبار السن باختراق صفوفهم بإجلال و وقار.
لحسن حظ البغداديين بقاء (شربت زبالة) على قيد السنين.. وهو الاقدم من جميع مدن الخليج و مدن الطين، و اقدم حتى من آبار النفط التي وجدها الحفاة العراة على خارطة المتعبين.. ولحسن حظ المثقفين
فان مقهى (حسن عجمي) المزحومة بجدال البنيويين، لا تزال صامدة بوجه حواسم الثقافة من المتخلفين.
واذهب بزهوي و حيرتي.. الى مقهى الشاهبندر والزهاوي، واهدي سلامي لشيخنا الجليل محمد الخشالي، تاركا المتنبي شاكيا له، حال بغداد وحالي، والمدرسة المستنصرية في طريقي و على بالي.. فرأيتها خاوية على عروشها، منسية تعاني من الاهمال، لا عناية ولا اشغال، ولا زيارات ولا سياح، حتى اصبحت وكانها مدرسة للاشباح.
واسرع الخطى الى شارع النهر، مكان البغداديين الحالمين برومانسيات الزمن الجميل، وبرقي البغداديات وهن يدخلن دكاكين الصاغة، بحثا عن خاتم لخليل، لكني وجدت الشارع يشكو والقلب عليل، ويشاركه سوق الصفافير، وهو الملتاع من توسع دكاكين البزازين على حساب أباريق وأواني من فضة يكسوها الغبار ولَم يعد السوق الاثير مكانا لضجيج مطارق النحاس، ولَم يعد مقصدا للسائحين وبقية الناس.
ولَم يدر في خلدي../ ان (مكتبة مكنزي) تتحول الى دكان لبيع القنادر، انها (القنادر) يا ناس وليس الكتب و المحابر.. والبقية تاتي على مصير كعك السيد والمقهى البرازيلي ومصور بابل و حسو اخوان، وأحذية الشرق وصادق محقق ورياضة الخطيب والخضيري، و أسطوانات الجيقمقجي، وحتى هامبرغر (ابو يونان)..ولا تبحثوا عن بقايا اسواق اورزدي باك، اول مول في العراق، و الذي كنا نبتاع منه ارقى البضائع الاجنبية ومنها الساعات السويسرية، التي علمتنا ضبط أوقاتنا، وتحسين هندامنا، واحترام مواعيدنا.
ولا تسالني ايها العزيز.. عن صالات السينما.. ريكس و روكسي والشعب والزوراء والخيام.. فقد تحولت الى مخازن للأثاث وعلف الحيوان.. وحالها حال ساحة حافظ القاضي التي كانت مكانا لاحدث السيارات الامريكية، لنكولن وشوفرليه. واليوم تتربع في وسطها وبكل اعتزاز، فخر الصناعة الوطنية (الستوتة) مع عربات الحمل الشعبية.
رئيس الوزراء المهدي عادل سامحه الله.. بشرنا بافتتاح شارع الرشيد، لكنه لم يقل لنا.. متى ستعود الأنوار والشناشيل، ومتى يعود التراث لهذا الشارع الجميل، ومتى سترفع التجاوزات، ومن سيغلق محال السمكرة والصباغين، والعدد اليدوية وزيوت الديزل و جليكانات البنزين، وينقل البسطيات الى مكان حصين.
اجزم.. وبألم وحسرة / ان الامناء لا يعرفون ماذا حل بصبابيغ الآل وسوق دانيال، ولابخفايا عكد النصارى والشورجة وحرائقها، ولا بالمدرسة الجعفرية ومن جعل بنايتها مدرسة ابتدائية.. ولا بدربونة النملة القريبة من تفرعات ساحة الوثبة، ولا حتى بأخبار سوق حنون وشناشيل (عكد القشل).
بغداد مدينة العشوائيات والبسطيات.. والحزن الثقيل، تحولت اليوم من مدينة (الف ليلة وليلة) الى الف مزبلة و مزبلة.
كل هذا يحدث... وإذاعة بغداد ما زالت تصر على بث رائعة فيروز.. / بغداد الشعراء والصور.. ذهب الزمان وضوعه العطر.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً