
ما ان تلج الى محله حتى تجد نفسك وقد دخلت في قرون او عقود زمنية ماضية، حيث الاواني والحاجات التي كانت تصنع يدويا ويطوع بها النحاس او الحديد لتصبح اناء او دورقا او قدرا حجريا او نحاسيا، مهنة توارثتها عائلة صاحب المحل ابا عن اجداد على مدى قرن ونصف القرن من الزمن او اكثر من ذلك، دخلها وهو ابن الثالثة عشر من العمر وتعلق قلبه بها، ومنذ خمسة عقود وهو يقتني ويشتري ويبيع ويصلح، انها جزء من تراث مدينة كربلاء المقدسة.
طفل صانع
يقول صاحب محل الاواني والانتيكات "جبار هادي تقي" البالغ من العمر (65) عاما من منطقة العباسية الشرقية في محافظة كربلاء المقدسة في حديثه لوكالة نون الخبرية ان" هذه المهنة سبقني بها جد جدي، ثم تلقفها جدي "هادي الصفار" وابي وكان محلنا في "كراج البارودي" وتاريخ عائلتنا في هذه المهنة يمتد الى (150) سنة، ووالدي دخل الى العمل وتعلم المهنة منذ طفولته وامضى بها حوالي (50) عاما، ومنذ كان عمري (13) عاما بدأت العمل مع ابي في المحل، ومنذ (50) عاما وانا اعمل بتلك المهنة، وتنقل محلي من البارودي الى حي النقيب، ثم في العباسية، وبعدها في شارع ميثم التمار، ثم استقريت منذ عامين في سوق باب "السلالمة"، وكانت اغلب الاواني والمعدات يدوية الصنع من النحاس ونستخدم فيه لحيم "القلاي"، اما الآن فاصبحت صناعية ويستخدم بها لحيم "الولدن"، و"الاوكسجين"، وكانت الحاجات التي نصنعها هي السلبجة، والابريق، وقدور الصفر، والاقداح، والدولكات، والطاسات ، والجفجير، ونصنعها من مادة النحاس يدويا، وكنا نشتري مادة النحاس من تجار الجملة في العاصمة بغداد بالكيلوغرام، وكانت عبارة عن الواح بقياس (مترين) او "رولات" تحسب على المتر المربع، ومن المشهور سابقا ان الشخص الذي يريد الزواج يأتي لتجهيز بيته الجديد ببعض الاواني التي نصنعها يدويا، مثل الطشت، والسلبجة، والابريق، وادوات المطبخ مثل الطاوات، والقدور، والجفجير، والمواعين، والاقداح، والصواني، والطاسات، والملاعق، والحملات "الجنكال".
سماور نحاسي
يستمر "ابو هشام" بسرد تاريخ عائلته مع مهنة الصفار والنحاس والاواني التي اصبحت تراثية وتسمى "الانتيكات" فيقول ان" والدي كان متخصصا بصناعة "السماور" وكان بيت جدي يلقب ببيت "السماور" نسبة الى تخصصه بهذا النوع من الاواني، ويصنع سابقا من مادة النحاس، ويطلى من الداخل بمادة "القلاي"، حتى لا يسمح للنحاس اذا تقادم الزمن عليه بإفراز مواد سامة، وكذلك يعمر لمدة اطول، وتعلمت المهنة من والدي انا واخوتي خلال مساعدتنا له في المحل، ولكن اهم شيء هو ان تحب المهنة التي تعمل بها فيكون تعلمك سريعا لها، وقد عشقت المهنة، وكثيرا ما اشتري مختلف الاواني النحاسية، بل اسافر الى محافظات مثل البصرة والقادسية والمثنى وبابل لأقتنيها من محال مشهورة ببيعها في الاسواق، واكثر ما اقتني هي السماور، والابريق، والسلبجة، والطشت، والصواني، والهاون الذي احتفظ بانواع كثيرة منه، وانفقت الكثير من الاموال على توفير مختلف الانتيكات في محلي، ولا ابالي اذا بقيت الحاجة لمدة طويلة ولم تباع، لان تلك الحاجات لها اذواق خاصة في الاقتناء، بل وصل الحال الى ان اقترض بعض الاحيان مبالغ لأشتري بها حاجات نحاسية اعرف جيدا كم تعب بها صانعها، وزبائني الذين يقصدون محلي هم من مختلف المحافظات العراقية وعرب واجانب، ويقصدني ويتسوق مني اهالي كربلاء الذين يشترون دائما السماورات والقدور النحاسية الصغيرة والاباريق، واصحاب المقاهي والمطاعم، حيث يقنتون السماور والاقداح والسلبجة والابريق، يضعونها كديكور تراثي في مقاهيهم ومطاعمهم، ويعشق اهالي كربلاء التحفيات والاواني التراثية، وكذلك زبائني من اهالي البصرة والسماوة".
معدات واواني قديمة
يستعرض "تقي" ما معروض في محله من الاواني والمعدات القديمة ويقول ان" هذه المعروضات هي السماور الغازي الايراني ويبلغ سعره من (20 ــ 30) الف دينار عراقي، اما "البريمز" فيوجد لدي ثلاث انواع هي الكربلائي والانكليزي والروسي، ومنها عادي العمودي وآخر "ابو الركبة"، ونوع منها يسمى "الاخرس" وصوته واطئ عن تشغيله، وتتراوح اسعارهن بين (40 ــ 60) الف دينار عراقي، والنوع الكربلائي هو الافضل والاغلى لانه مصنوع من نحاس خالص ويطلى بمادة "الآهين الاسود"، وجميعهن يعملن بكفاءة، كما يوجد لدي مجموعة من "البريمز الروسي" الذي كان يستخدمه صاغة الذهب في كربلاء في العقود الماضية، كما لدينا نوعين آخرين انكليزي وكربلائي، ويعمل بمادة النفط الابيض وتصدر منه نار قوية تذيب الذهب، وكان سعرة (15) دينار واصبحت اسعارهن الآن تتراوح بين (140 ــ 150) الف دينار عراقي، ويتوفر عندي ثلاث انواع من "بريمز" خاص يستعمله المضمدين سابقا لغلي الابر التي كان مصنوعة من الحديد وتستخدم لاكثر من مرة في اناء معدني لتطهيرها من الجراثيم، وكان اسعارها (3 ــ 5) دنانير عراقية، ومن النوادر في المحل ميزان "الذهب" الذي كان يستخدمه الصاغة سابقا".
الجولة والفتيلة
مجموعة كبيرة من "الجول" النفطية تتوزع في محل "ابو هشام" يقول عنها ان" عندي مجموعة من "الجول" صغيرة ومتوسطة وكبيرة، مكونة من فتيلة واحدة، واثنتان، وثلاثة، واربعة، ما زالت العائلات الكربلائية والعراقية تستعملها في تسخين الطعام على نار هادئة، كما يستخدمها بعض الرجال المدنيين او العسكريين في امكنة العمل لسهولة توفير الوقود لها وصعوبة توفير اسطوانات الغاز للطباخات الغازية، وانا اصلح جميع اعطالها واعيدها تعمل بكفاءة عالية من جديد وابيع منها، والجولة ذات الفتيلة الواحدة اغلى من جميع الانواع لانها نادرة وقليلة، ويصل سعرها الى (150) الف دينار عراقي، اما الباقيات فتتراوح اسعارهن بين (100 ــ 120) الف دينار عراقي، ولدي قدر مصنوع من مادة "الحجر" يسمى عرفا (DC) يستعمل لطبخ "اللحوم والباجة" التي تحتاج الى نيران قوية، وكان سابقا موجود في اغلب البيوت واصبح الآن تراثيا، ومع قيامي باصلاح المعدات والاواني وبيعها اقوم ايضا بشراء ما يعرض علي او اقيم اسعارها، وعندي كثير من الزبائن من خارج العراق يقصدونني لشراء مختلف الحاجات، منهم من السعودية والكويت واللبنانيين، ويوصوني بتوفير حاجات لهم اوفرها ويأتون بعد مدة لشرائه".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- اشترى مسبحة وتبين انها مرصعة بالذهب .. في مدينة كربلاء المقدسة .. اغلى مسبحة سعرها (70) الف دولار اميركي
- *محمد الصواف: عدسة توثق الحقيقة وتنقل قصص الإنسانية في قلب الأزمات*
- السوداني: العراق سيتوقف تماماً عن استيراد الغاز بحلول العام 2028