
بقلم: القاضي عماد عبد الله
الخطأ في الراجح في الفقه، تعدٍ أو انحراف في السلوك لا يمكن للشخص متوسط الذكاء إن وجد في نفس الظروف الخارجية التي وجد فيها محدث الضرر أن يرتكبه ومعيار تقدير الخطأ إذن هو سلوك الرجل العادي، اما الإثبات فهو اقامة الدليل بوسيلة من الوسائل القانونية المشروعة على صحة الوقائع التي تستند الى الحق او الاثر القانوني المدعى به، فعبء الاثبات هو واجب الخصم في اقامة الدليل على ما يدعي به وبناء عليه يقع على عاتق المريض عبء إثبات خطأ الطبيب وعلى الطبيب إثبات التزامه بعلاج المريض وبذله العناية الممكنة في ذلك طبقا لاصول المهنة.
وعلى هذا الأساس فان خطأ الطبيب لا يجوز افتراضه لمجرد إصابة المريض بالضرر ولكنه واجب الإثبات ويستطيع الطبيب ان ينفيه بإثبات العكس, أي اقامة الدليل على انه بذل العناية اللازمة في علاج المريض كما يستطيع اثبات القوة القاهرة او السبب الاجنبي او خطأ المريض نفسه مما ينفي العلاقة السببية. وعلى هذا الأساس لا يجوز افتراض خطأ الطبيب، بل يجب على المريض أن يثبت أن الأخير قد قصر أو أهمل في علاجه.
وخلاصة القول ان إثبات الخطأ الطبي يجب ان تتوافر فيه قرائن قوية ومتكاملة على وجود علاقة سببية بين خطأ الطبيب والضرر الذي لحق المريض, والأصل ان الخطأ الطبي يمكن إثباته بكافة وسائل الاثبات بما فيها الخبرة وشهادة الشهود والقرائن القضائية والكتابة وعلى القاضي ان يتحقق من وجود الخطأ الطبي فمن الضروري ان يكون الخطأ ثابتا ثبوتا قطعيا وليس مجرد تخمين لذا يجب ان يستند الإثبات الى وقائع دقيقة وليس مجرد معطيات يمكن اثبات عكسها، ويتحتم على القاضي اللجوء إلى الجهات الصحية المختصة لاستيضاح الخطأ الطبي الحاصل من الطبيب فلا يقر بثبوت الخطأ الطبي الا إذا ثبت ثبوتا قطعيا أن الطبيب خالف عن جهل او تهاون بالأصول الفنية والقواعد الطبية.
غير ان طرق اثبات الاخطاء الطبية تختلف باختلاف طبيعتها, من حيث كونها أخطاء ذات طابع فني او اخطاء متعلقة بالإنسان، وبالنسبة للأخطاء الانسانية فيمكن اعتماد كافة وسائل الاثبات القانونية الممكنة لإثباتها بما في ذلك القرائن والشهود, كما يكون للقاضي الدور الإيجابي في إثبات تلك الأخطاء, حيث يمكن الرجوع الى التزامات الطبيب المنصوص عليها في القانون ومحاولة قياس سلوكه مع هذه الالتزامات.
أما الأخطاء الطبية ذات الطابع الفني, فان القاضي يمكنه الاعتماد على الخبرة الفنية المقدمة من قبل الجهات الطبية المختصة, وتكون له السلطة التقديرية في الأخذ او عدم الأخذ بتقرير الخبرة الفنية. أخيرا ان وقـوع خطأ من الطبيب وحصول ضرر للمريض، لا يعني قيام مسؤولية الطبيب ما لم يكن الضرر الذي أصاب المريض ناجماً عن خطأ الطبيب كنتيجة طبيعية له ومرتبطا به ارتباطاً مباشراً.
أقرأ ايضاً
- الغباء السياسي: عندما نختار الخطأ بأعين مفتوحة
- حرب السرديات وإثبات الوجود
- تساؤل غير صحيح.. لماذا يجب على السُنّة والبعثيين الاعتراف بالخطأ !