- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أغيثونا بخباز ماهر .. حتى لو يأكل نصف الخبز !
بقلم: حسن كاظم الفتال
إن ما سَأُدوّنه في هذه السطور ما هو إلا إفصاح عن وجهة نظر ليس إلا، أود أن أبين من خلالها رأيي القاصر أو ألمح تلميحاً بسيطاً سريعاً لموضوعة معينة أشير بها إلى مفهوم القيادة أو الإدارة بل ألمح إلى ذلك ولا أزعم أنني أنوي كتابة دراسة حول هذا الأمر ولعل هذا يحتم علي أن أدرج بعض التساؤلات لأجعلها مدخلا لحديثي.
هل الإدارة هي علم يمكن أن يكتسبه الفرد ؟ هل هي مهنة أو حرفة يتسنى لأي منا مزاولتها ؟ هل تقلدها يعني إدارة أشخاص ؟ أم إدارة أعمال فنية ؟ تدار بثقافة ذاتية وبنمط فني ذوقي يتعامل مع الأبعاد الحسية ومغازلة الآخرين بها، وينسجم مع عظم العملية فيؤدي النجاح ؟ كم تحتاج الإدارة من قيم إنسانية أو عناصر ومقومات ومؤهلات ؟
لعل البعض تتوفر لديه إجابات سريعة وجاهزة لهذه التساؤلات ! إنما الواقع يلمح لنا بأن لا شيء أصعب من ممارسة الإدارة بمعناها أو مفهومها الحقيقي.
من البديهي أن خوض التجارب تكسب الفرد خبرة سواء أكانت ناجحة أم غير ذلك وهي توهج العقل فيمتد شعاعه لينير العقل الجمعي.
بالنتيجة ..
إن الواقع الذي نعيشه جعل مسيرة حياتنا ترتبط ارتباطا وثيقا بالأقوال المأثورة أو الأمثال الشعبية أو حتى بعض العبارات وقيل : إن الناس أحوج للعلم منهم إلى الطعام والشراب وثمة من يعيش ليأكل لا يأكل ليعيش. فهنالك من يتعلم ليعيش وليس يعيش ليتعلم وكم عاش غير المتعلمين على حساب الآخرين.
والمعرفة لا تعني أنك عرفت مواضيع كثيرة إنما أن تسعى جاهدا للبحث عن معلومات قيمة لهذه المواضيع ليسهل عليك إيصالها وتوصيلها إلى من تحب أن يعتقد بأنك مقتدر ثمة من يظن أن تحقيق الغاية المرجوة في الإدارة يتم من خلال الاعتماد على البعد الحسي بممازجة الذوق والفن.
والبعض الآخر يتخذ من شحنة الطموح والعزم والإصرار والحماس والإندفاع عاملا يحقق له النجاح التام في الإدراة.
وحين نقترب منه لنتعرف على مفهوم الإصرار أو العزم فنجد أنه يعني لديه الإصرار على طرح الآراء وجعلها أوامر إدارية مفروضة غير قابلة للنقاش ولا للتراجع. حتى وإن حسبها الآخرون تعسفية. ويحسب هذا من أهم عناصر القيادة الناجحة ونسي أن الارتقاء إلى أقصى مدى يبدأ بخطوة صغيرة وكما قيل: مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة.
وكم من هؤلاء تصور واهما أنه حقق كل ما هو أفضل وبلغ قمة التطور والنجاح. لذا تجده لا يدع أي فرصة في تحاوره مع من حوله إلا وتحدث بثقة يعلن بها بأنه حقق أعلى درجات النجاح. وهذا التصور بالحقيقة هو الفشل بعينه دون أن يدرك بأنه سائر على غير هدى. ويجهل حقيقة أن الفرص ينبغي اغتنامها بالوسائل السليمة بالشكل الصحيح وبحكمة تشق له طريقا يقطعه بأمان في مسيره إلى عالم النجاح.
وكم وجدنا من أتيح له أن يعتلي قمة هرم حتى وإن بلغ ذلك متسلقا أكتاف الآخرين.. يحاول دائما أن يوهم مرؤوسيه خصوصا أولئك المطيعين له إطاعة عمياء بأنه منتصر ويصور كل هزائمه انتصارات.
لاشك إن مثل هؤلاء لا يروق لهم وجود من يجادلهم بالحق أو يشخص أخطاءهم لذا تجدهم يحتجبون عن كل نقاش أو محاورة عقلانية منطقية.
من الطبيعي إن إحساس أي مدير للعمل بالطمأنينة في امتلاك القدرة على الإدارة يمنحه ذلك الثقة بالنفس ولا يتوجس خيفة من مجادلة أي فرد ولا يتملص من المحاورة. عكس الضعيف الفاقد لكل المقومات والمؤهلات فذلك يتعمد لأن يستجهل أمورا كثيرة في المناقشة ليجعلك سرعان ما تنسحب امتثالا لقول أمير المؤمنين عليه السلام ما جادلني جاهل إلا غلبني.
كان الإعتقاد السائد لدينا أن المؤسسات الإعلامية تعيش بمنأى تام عن المخاضات العسيرة التي تعاني منها المؤسسات الأخرى.
وكم أدركنا بأننا خاطئون إذ أن الإعلام أصبح هو الآخر عرضة لتطفل المتطفلين وما أكثر المتجرئين على اقتحام الميادين.
والاقتحام هذا مؤداه اللهاث وراء المنافع وتحقيق المآرب ولابد أن يتم عن طريق تهميش وإلغاء وإقصاء الآخرين. حيث أن استشعارنا بوجود من هم أحق منا في التصدر والتصدي يفقدنا الثقة بهم ويجعلنا نتحرز منهم كثيرا لا لأنهم غير مؤتمنين بل لإيماننا بمقدرتهم على سرعة اكتشاف أخطائنا إذ لعلهم يوقفونا أمامهم باستصغار حين يبدون آراءهم الصائبة لتصحيح الأخطاء وهذا ما يرغمنا في ممارسة إقصاء وألغاء الأدوار لنعيش بمأمن من كل ذلك.
مما يدعو للأسف أن هذا الوصف أصبح صالحا جدا لأن ينطبق على كثير من الأعمال التي يزاولها من لا يؤهله للمزاولة أي اختصاص.
وكم كنا نعتقد بأن الإعلام ومؤسساته تعيش بمنأى تام عن هذا الوصف. لكن ما فند اعتقادنا هو حال المؤسسات الإعلامية وما يمارس فيها. وليس فينا من يجهل دور الإعلام الكبير في صناعة المجتمعات صناعة جعلها تتفوق على الكثير من أخواتها.
في كثير من هذه المؤسسات تراكمت المشاكل لا بسبب عدم وجود الحل بل بسبب عدم فهم المشكلة واستيعابها أو عدم امتلاك الرؤية الصحيحة للحل أو عدم القدرة على إيجاد المعالجة اللازمة. ولعل التجاهل هو أحد الأسباب لتفاقم المشكلة وتوسعها. مما أدى إلى أن يحاول بعض المسؤولين من هذا النوع وضع حواجز متينة تقيهم شر وصول رياح المشاكل وذلك بالتهرب والإبتعاد عن سماع أي حديث عن أي مشكلة تحدث في المؤسسة.
وحين سألت مرة مسؤولا في إحدى المؤسسات الكبيرة والمهمة عن كيفية إيجاد وسائل لحلول المشاكل التي تحدث في المؤسسة قال: أولى الوسائل المستخدمة التغاضي عن الكثير من المماحكات وتجاهل التجاذبات التي تحصل بين هذا وذاك ووضع القطن الطبي في الآذان كي لا تكون آذانا صاغية.
تجنب سماع أي حديث عن أية مشكلة أو التعرف عليها لكي لا نضطر إلى الإشتراك بالحديث. وحين تصل إلينا نار الفتنة نحاول إطفاءها بالتدخل بحزم وحسم وبصرامة تحسم الأمر لصالح المؤسسة. وقد بادرنا إلى غلق ملفات كثيرة تتعلق بهذا الموضوع وذاك وهكذا يتم القضاء على الفتنة . ونبقى نؤدي دورنا بأمان تام.
إن انعدام القدرة على إيجاد حلول لأبسط المشاكل يكشف لنا حقيقة الضعف في الإدارة ويشير إلى خلل في التنظيم والنظام. وهذا الخلل منشؤه التخبط في انتخاب من هم ليس أهلا للمسؤولية. واعتماد معايير المحسوبية والمنسوبية والولاءات الصورية العلنية الظاهرة فحسب وما ينجم من ذلك إلا الفشل.
لذا ينبغي على أصحاب الشأن والمعنيين بانتخاب الإدارات لمؤسساتهم أن يختاروا خبازا ماهرا امتثالا للمثل القائل: (أعطي الخبز لخبازته حتى لو أكلت نصفه) إذ أن الناس بحاجة إلى خباز ماهر يطعم الناس خبزاً حاراً طازجاً طرياً حتى وإن كان يأخذ من الطحين نصفه.
أقرأ ايضاً
- سوريا... والمصير الكارثي الذي تنتظره / 2
- سوريا... والمصير الكارثي الذي تنتظره / 1
- مقارنة بين زعيمين تحت عباءة البعث العفلقية!!