- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الطلاق.. ظاهرة وأسباب - الجزء الأول
بقلم: القاضي وائل ثابت الطائي
يمنح الارتفاع الملحوظ في حالات الطلاق مؤشراً واضحاً وصريحاً على حجم المشكلة الاجتماعية التي أصابت الأسرة والمجتمع، ومن حقنا أن نتساءل؛ ما هي الأسباب وراء تفاقم حالات الطلاق ووصولها إلى مستوى خطير يهدد الأمن الأسري والأمن الاجتماعي؟
هذا هو السؤال الذي نريد أن نقف عنده طويلاً ونحاول الحصول على جواب عنه وفق الحقائق التي نراها في واقعنا اليومي وعلى قدر حجم هذه المشكلة في أضابير الدعاوى المنظورة أمام المحاكم وتبعاً للإحصائيات وما ورد في دراسات البحث الاجتماعي التي أوضحت عدة أسباب مثلت الدافع الحقيقي لانتشار ظاهرة الطلاق, وقبل الدخول في التفاصيل, لا بد أن نقف عند حقيقتين:
الحقيقة الأولى: إن أسباب الطلاق متعددة ومختلفة ولكنها متداخلة مع بعضها البعض بحيث أن تحقق احد الأسباب يمكن أن يكون أرضاً خصبة للأسباب الأخرى فمثلاً عندما نقول أن من أسباب الطلاق هو فارق السن بين الزوجين، هذا السبب يمكن أن يؤدي مع مرور الأيام إلى خلق حالة من عدم التفاهم بينهما مما يؤدي إلى أن يكون سبباً آخر في انحلال العلاقة الزوجية.
الحقيقة الثانية: إن أسباب انهيار الحياة الزوجية قد يكون من داخل الأسرة أي لأسباب تعود إلى طرفي العلاقة (الزوجة وزوجته) وقد يكون المسبب الزوج أو يكون المسبب الزوجة أو كلاهما، وفي أحيان أخرى تكون أسباب الطلاق خارجية لها صلة بالأشخاص المحيطين بالزوج وزوجته من الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء من الذين يتدخلون في المشاكل الخاصة التي تحدث داخل الأسرة الواحدة، وقد تكون الأسباب راجعة إلى الظروف العامة للمجتمع والمتمثلة بالأزمات الاقتصادية والسياسية وظهور أمراض اجتماعية خطيرة ذات صلة بالسلوك الإنساني من قبيل الإدمان أو حالات البطالة والفقر أو الشذوذ الجنسي أو غيرها مما تؤثر بشكل مباشر على وثاقة العلاقة الزوجية، مع التنويه إن هذا النوع من الأسباب تتصف بالعمومية ونقصد بذلك عدم اقتصارها على عائلة دون أخرى فهي أسباب شاملة حسب طبيعتها وكيفياتها.
وتأسيساً على ما تقدم يمكن أن نوجز الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة الطلاق وكالآتي:
• الفقر والبطالة نتيجة الأزمات الاقتصادية:
إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها مجتمعنا وما أنتجه من حالات بطالة وفقر أسهمت مساهمة فعالة في زيادة حالات الطلاق وانفصام العلاقات الزوجية وإيصالها إلى ما لا يحمد عقباه.
فقد أنتجت هذه الأزمات الاقتصادية بطالة لشريحة واسعة من أفراد المجتمع وجعلتهم عاجزين عن الحصول على إيراد شهري يسد حاجاتهم ومتطلبات أسرهم فيصبح الزوج نتيجة لضعف موارده المالية غير قادر على تغطية الاحتياجات الأساسية من المأكل والمشرب والملبس، فالبطالة وعدم إيجاد فرصة للعمل ينقل الأزمات الاقتصادية إلى داخل الأسرة وتنتج خلافات محتدمة تؤدي بالنهاية إلى حصول الطلاق بين الزوجين، وان هذا السبب هو السبب المباشر الذي يهدد حياة الأسرة ذلك لان العامل الاقتصادي والمورد المالي ركن أساسي في بنائها واستمرارها.
• تعاطي الزوج للمخدرات والمشروبات الكحولية:
تعتبر المخدرات من اخطر الآفات التي تجتاح المجتمع العراقي في الوقت الحاضر نتيجةً لكثرة تعاطيها والمتاجرة فيها حيث أصبحت من أهم المشاكل وأعظمها ضرراً وأشدها وقعاً لما يترتب عليها من مساوئ اجتماعية ومادية تساهم بشكل مباشر في تحطيم الأسرة وتحطيم المجتمع إضافةً إلى ما يترتب عليها من أضرار تلحق الإنسان وربما تؤدي به إلى الموت.
وإن الإحصائيات الواردة من وزارة الصحة وكذلك التقارير الإستخبارية أكدت وبشكل قاطع إن العراق وخلال النصف الأول من هذا العام قد تزايد فيه دخول المواد المخدرة بشكل ملفت للنظر وقد أوصت هذه الجهات الرسمية إلى ضرورة تشديد العقاب إلى مروجي تجارة المخدرات والسعي للقضاء على هذه الجريمة وتلافي آثارها الخطيرة على المجتمع، وقد دلت الإحصائيات بان نسبة الجرائم المعروضة أمام المحاكم شكلت خطاً تصاعدياً حتى بلغت عدد دعاوى المخدرات تشكل نسبة تقارب 25% من مجموع الدعاوى المنظورة في العام الواحد.
ويرجع انتشار المخدرات إلى الضعف الأمني وزيادة البطالة وعدم توفر فرص العمل وما يعانيه الفرد العراقي من ضغوطات نفسية نتيجةً للظروف غير المستقرة التي يواجهها المجتمع العراقي بشكل عام إضافةً إلى حافز الحصول على العائدات المالية لمروجي وتجار هذه المواد المخدرة والتي تعتبر عائدات مالية كبيرة تشجع على ممارسة هذه التجارة والاستمرار فيها إضافةً إلى أسباب أخرى قد تعتبر ثانوية إلا أنها أسباب مساهمة من قبيل قلة الوعي لخطورة هذه المخدرات وعدم تسليط الضوء من قبل وسائل إعلام على هذه الظاهرة.
إن الآثار السلبية وتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية تنعكس أيضاً وبشكل مباشر على الأسرة فالمتعاطي نظراً لما يعانيه من ظروف صحية واجتماعية يلجأ إلى التعامل السيئ مع أفراد عائلته وخصوصاً عندما يقوم بإيذاء الزوجة وضربها وهذا يولد الخلافات ومع مرور الوقت تصبح المعيشة مع الزوج المتعاطي من الأمور العسيرة فتضطر الزوجة للخلاص من هذه الظروف أن تقدم على المطالبة بالطلاق.
• الخيانة الزوجية:
إن من المشكلات الخطيرة التي تعترض طريق العلاقة الزوجية هي مشكلة الخيانة الزوجية نظراً لما يترتب عليها من آثار وخيمة وخطيرة على الأفراد وعلى المجتمع, وهذه الآثار لا تنعكس سلبيتها على الزوج والزوجة فقط، بل يتسع نطاقها لتشمل الأهل والأقارب وربما تأخذ أبعادا أوسع نظراً لحجم تأثيرها.
إن معيار تحديد هذا السلوك وهذا الموقف على انه خيانة زوجية هو معيار غير منضبط ومختلف من مجتمع لآخر فما يعتبر سلوكاً مشيناً في الريف قد لا يكون كذلك في المدينة وما يعتبر من التصرفات العادية والحسنة في دولة ما يمكن أن يكون تصرفاً مشيناً في دولة أخرى.
وتمثل الخيانة الزوجية سلوكاً مخالفاً للآداب والمعيار في تحديدها يكون مجموعة القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية والسلوكية السائدة في مجتمع ما، لذلك نجد (إن للخيانة الزوجية بمقتضى العرف الاجتماعي أنواع كثيرة وصور متباينة تختلف تبعاً للجهة المنظور إليها)، ولهذا لا يتبادر إلى الذهن عندما نطلق عبارة الخيانة الزوجية نحصرها بوجود علاقة غير مشروعة أي المعاشرة المحرمة بين احد الزوجين والشخص الآخر، وان كانت هذه الصورة هي الصورة الغالبة.
• الشك في الزوجة:
يعتبر الشك من السلوكيات الاجتماعية السلبية الخطيرة نظراً للنتائج والآثار المترتبة عنه بصرف النظر عما إذا كان هذا الشك مبنياً على أسباب صحيحة أو على أسباب غير صحيحة (باطلة)، وعلى العموم يمكن أن نذكر بعض الموارد التي تؤدي إلى حصول الشك ونوجزها بما يلي:
- الاختلاط وعدم مراعاة قواعد الاحتشام.
- عدم مراعاة الأحكام وسنن الأخلاق التي يفرضها الدين من قبيل الملامسة والمصافحة وتقبيل الأقارب وان كانوا من المحارم.
- التزين وإظهار المفاتن واللباس غير اللائق وكثرة الخروج من الدار دون علم الطرف الآخر أو إبلاغه.
- القيام ببعض التصرفات التي توجب الشك من قبيل كثرة استخدام جهاز الاتصال الموبايل والتحدث به بصوت خافت وإخفاء الجهة المتصل معها.
إن الشك وفي كل الأحوال يكون حالة مرضية لا يمكن الاطمئنان إلى أسبابه خصوصاً إذا كان احد أطراف العلاقة الزوجية مصابا بهذا المرض وكثير الوسواس.
• عدم الإنجاب أو وجود مرض آخر أو عاهة:
من الغايات الأساسية لنشوء العلاقة الزوجية هو إنجاب الأطفال، وهذه الغاية تتماشى مع فطرة وغريزة الإنسان الذي يطمح بالحصول على الذرية وهذه الغاية هي مصداق قوله تعالى (والله جعل لكم من أنفُسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون)النحل/الآية72، فعند فقدان الأمل بالحصول على الذرية يؤدي إلى تضعضع في العلاقة الزوجية وعدم استقرار نفسي ونتيجةً لهذه الحالة يوصل الأمر إلى الطلاق.
إن العقم وعدم القدرة على الإنجاب من الأسباب الرئيسة في حصول الطلاق لكثير من الحالات الزوجية وهذا الأمر لم يحتط له عند بداية نشوء العلاقة بين الزوجين لتخلفهما عن إجراء الفحص الطبي.
وأن من أسباب وقوع الطلاق أن يصاب احد الزوجين بمرض خطير أو بعاهة ويؤدي إلى الطلاق إذا كان الطرف الآخر غير مستعد للعيش في مثل هذه الظروف.
يتبع..
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول