- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجع السيستاني.. المواقف تتكلم
بقلم: عادل الجبوري
في اواخر عام 2005، تجاوزت احدى وسائل الاعلام العربية واسعة الانتشار في برنامج حواري على المرجع الديني الكبير اية الله العظمى الامام السيد علي السيستاني، بعبارات واوصاف غير لائقة، وبعيدة عن ضوابط وحدود حرية التعبير، وقد قوبلت تلك التجاوزات برود فعل عراقية وغير عراقية، غاضبة ومستهجنة ومستنكرة.
ومثلت ردود الفعل الواسعة، اشارة واضحة وصريحة وقوية الى ان مقام المرجعية الدينية يعد خطا احمر لا يمكن لاي كان تجاوزه، ومن يفعل ذلك عليه ان يترقب ويتوقع كل شيء وأي شيء.
ومن غير الواضح فيما اذا كانت القناة الاسرائيلية الرابعة عشرة، قد التفتت الى الواقعة التي حصلت قبل تسعة عشر عاما -والتي ربما لم تكن تل ابيب بعيدة عنها- حينما اقدمت على بث صورة للمرجع السيستاني مع صور اخرى لمجموعة قيادات سياسية ودينية تخطط حكومة الكيان الصهيوني لإستهدافها وتصفيتها، كجزء من حربها العدوانية الدموية على غزة ولبنان.
إذا كانت القناة الاسرائيلية المذكورة، ومن يقف ورائها، قد ارادت جس النبض، وتقييم طبيعة ومستوى ردود الافعال، فإنها تكون بذلك قد ارتكبت خطأ فضيعا، ولم تأخذ بعين الاعتبار حقيقة ان المساس برمز ديني كبير ومهم جدا، لا يمكن له ان يمر مرور الكرام.
وعند التدقيق في مجمل ابعاد الحدث، لابد هنا من الاشارة الى ان القناة 14 الاسرائيلية، تعد الصوت المعبر عن توجهات وسياسات اليمين الصهيوني المتطرف، وتعتبر من أبرز وسائل الاعلام الصهيونية المدافعة عن جرائم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفريقه الحكومي، وخصوصا ما يتعلق بحربه العدوانية على غزة ولبنان، وهي من المنابر الاعلامية التي تروج وتثقف على ازالة ومحو الشعب والتراث والتأريخ الفلسطيني الاسلامي، وترسيخ الفكر والنفوذ اليهودي الصهيوني على كل ارض فلسطين.
ولتلافي تبعات ما قامت به، ادعت القناة بأن اظهار صورة السيد السيستاني بإعتباره احد الشخصيات المراد تصفيتها، كان امرا عفويا غير مخططا له، قام به موظف فني عادي، حيث نقلت عن مسؤول القسم المرئي فيها، قوله "ان مصمم الكرافك وانا اخترنا الصور عشوائيا، فلدينا الكثير من العمل والتغطيات خلال هذه الفترة". وفوق ذلك ادعى المذيع "ان القناة مجرد وسيلة اعلام، وليست مؤسسة عسكرية او تدير الدولة لتقرر من يتم استهدافه او لا"! ولا شك ان مثل هذه التبريرات الساذجة والسطحية، لم تكن مقنعة حتى لأوساط اعلامية واكاديمية اسرائيلية تحدثت عبر شاشة تلك القناة ووسائل اعلام اسرائيلية اخرى عن تداعيات وتبعات ذلك.
ومن يتتبع سيرة ومسيرة السيد السيستاني، سيكتشف طبيعة الاهداف الكامنة وراء استهدافه من قبل الدوائر الصهيونية، فهو يعد من ابرز المرجعيات والزعامات الدينية في العالم الاسلامي، خلال العقود الثلاثة الاخيرة.
وبعد الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، اضطلع بدور محوري مؤثر في وضع اسس ولبنات النظام السياسي الجديد، خلافا للرغبات والاجندات والمخططات الاميركية، وفيما بعد، كان له دور مماثل في درأ الفتنة الطائفية وتجنيب البلاد الانزلاق الى اتون الاقتتال الداخلي، على اثر قيام تنظيم القاعدة الارهابي بتفجير مرقد الامامين العسكريين بمدينة سامراء، في الثاني والعشرين من شهر شباط-فبراير 2006.
وفي صيف عام 2014، كان لفتوى الجهاد الكفائي التي اصدرها المرجع السيستاني، الاثر الحاسم في التصدي لتنظيم داعش الارهابي ودحره خلال اعوام قلائل، فيما كانت الدوائر الاميركية والغربية والصهيونية، تروج الى ان القضاء على ذلك التنظيم قد يستغرق ثلاثين عاما!.
وطبيعي ان ذلك التوجه المبدئي للمرجع السيستاني، الذي ينطلق من الثوابت الدينية الشرعية، والتقدير الدقيق والحرص العالي على مصالح الامة، مثل استمرارا وتعزيزا لتوجهات مختلف مراجع الدين السابقين والحاليين، في التعاطي مع المحتل وفي الدفاع عن قضايا المسلمين ومحاربة اعدائهم.
واتضح ذلك التوجه جليا خلال الحرب العدوانية للكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وكذلك الشعب اللبناني، التي انطلقت في السابع من تشرين الاول-اكتوبر 2023. فمنذ الايام الاولى للحرب، اوضح المرجع السيستاني موقفه المندد بالكيان الصهيوني وجرائمه المروعة، والداعم بكل السبل والوسائل للشعب الفلسطيني، وكان موقفه بنفس الوضوح حيال مجازر الكيان الغاصب ضد الشعب اللبناني، وقد مثل نداءه التاريخي الصادر في الثالث والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر الماضي، بمساعدة واغاثة الشعب اللبناني، خير برهان ودليل، فضلا عن مجمل مواقفه الداعمة عمليا لنضال الشعب الفلسطيني في كل المراحل والاوقات.
وكانت تلك المواقف والتوجهات، كافية لارباك الكيان الصهيوني واثارة غضبه وقلقه، ليبادر الى ادراج اسم المرجع السيستاني في جدول جرائمه ومجازره، وهذا لم يك بالامر الغريب، لانه جاء في سياق المؤامرات والمخططات الصهيونية لتصفية كل القيادات والزعامات الدينية والسياسية المؤثرة والفاعلة في العالم الاسلامي، وفي دول محور المقاومة تحديدا، وان اي استهداف للمرجع السيستاني، لا يبتعد عن سلسلة طويلة من الجرائم الصهيونية، واجندات من يساند ويدعم سياسات تل ابيب العدوانية.
من خطط وقرر ونفذ فكرة ادراج اسم المرجع السيستاني في بنك الاجرام الصهيوني، من المؤكد انه ادرك سريعا حجم حماقته الكبرى بعدما شاهد جزءا صغيرا من ردود الافعال. ومثلما قال الباري عز وجل ".. ولا يحيق المكر السيء الا بأهله". وقد تكون مشكلة الكيان الصهيوني انه حتى الان لم يستوعب حقيقة انه كلما امعن في اجرامه، كلما غاص وغرق مستنقع خسائره وخيباته وانكساراته. وحقائق الواقع على الارض تكشف وتؤكد وتثبت كل ذلك.
أقرأ ايضاً
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة