- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
شرح دعاء اليوم الأول من شهر رمضان المبارك
بقلم: الشيخ محمود الحلي الخفاجي
(اللهم اجعل صيامي فيه صيام الصائمين وقيامي فيه قيام القائمين، ونبهني فيه من نومة الغافلين، وهب لي جرمي يا إله العالمين واعف عني يا عافياً عن المجرمين).
فرض ألله تعالى الصوم لتحقيق أغراض تربوية وروحية تأخذ بيد الإنسان الى الإستقامة والخير والتقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وفي الدعاء هنا إشارة مهمة قد أشار اليها الدعاء الشريف وهي: أن للدعاء مراتب متعددة منها:
ـ مرتبة صوم العوام: وهو الصوم المتعارف وهو الإمتناع عن المفطرات
ـ ومرتبة صوم الخواص: وهو الإمتناع عن المفطرات مع زيادة وهي الكف الجوارح عن المحرمات (الإمتناع عن السماع المحرم والنظرة المحرمة، والكلمة المحرمة..)
ـ ومرتبة صوم خصوص الخصوص: وهو صوم القلب اي تطهير الباطن وتنقيته من كل القاذورات، وفي هذه المرتبة من الصوم تتحقق طهارة القلب وطهارة الجوارح. وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لـ(جابر بن عبد الله):
ـ يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا ً من ليله، وعف بطنه وفرجه، وكف لسانه خرج من ذنوبه كخروجه من الشهر.
فقال جابر: يا رسول الله! ما أحسن هذا الحديث؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا جابر وما أشد هذه الشروط!
إذن.. هو الغرض من الصوم هو أن يحقق هذه الأغراض المهمة، مقترنا هذا الصوم بحالة القيام والتضرع والخشوع، فالصوم الذي يجب أن نحققه هو المشتمل على تلك الخصوصيات التي ذكرناها (صوم الجوارح وطهارة القلب)، وهذا لا يتحقق إلا بالإقتداء بعبادة النبي (صلى الله عليه واله) وعبادة أهل بيته الأطهار عليهم السلام، حيث أن عبادتهم كانت الأنموذج في العبادة وطريقا ً موصلا ً الى الله عز وجل، لذا أن الدعاء قال: (صيامي الصائمين وقيامي فيه قيام القائمين). أي ليس صياما ً وقياما ً فارغا ً بل لابد ان يكون له أثر في حياتنا وأن ينعكس على سلوكنا, ثم أن الدعاء تعرض الى مشكلة نعيشها جميعا وعلينا أن نلتفت اليها لكي يمكن التغلب عليها وهي مشكلة (الغفلة) حيث قال: (ونبهني فيه من نومة الغافلين). وأن الغفلة هي السبب في حصول كثير من المعاصي وترك أمتثال الأوامر الالهية، وتشكل مانعا ً من تحصيل الكمالات الروحية، ونتيجتها أنها تكون من موانع القرب الإلهي، لذا فإن القرآن وصف الغافل بأنه أضل من الأنعام: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (ويل لمن غلبت عليه الغفلة، فنسي الرحلة ولم يستعد). وأيضا قال: (دوام الغفلة يعمي البصيرة). لذا فإن الدعاء يعلمنا أن ننتبه ونحذر الغفلات قبل وقوعها. لذا قال: (نبهني عن نومة الغافلين) ولم يقل: (.. من نومة الغافلين)، فإذا غفل الإنسان فإنه سيتهاون في أداء الفرائض الإلهية بل سيرتكب المحرمات, ثم أشار الدعاء الى مسألة مهمة وهي أن الإنسان بعد إخلاص الصيام والقيام لله تعالى، والحذر من الغفلات، تعرض الى أن يسعى المؤمن الى طلب العفو الإلهي: (وَهَبْ لي جُرمي فيهِ يا اِلهَ العالمينَ) والهبة هي العطية غير المقترنة بعوض بل فيها المبالغة في العفو والتسامح, بل إن الله يهب للعبد ذنوبه دون مؤاخذة وعتاب، بينما المغفرة تتضمن إسقاط الذنب لكن بعد المحاسبة والعتاب، لذا لم يقل: (إغفر لي) بل قال: (هب لي جرمي), وهذه الهبة هي عفوه وكرمه تعالى.
نسال الله أن يعفوا عنا إنه هو العفو الرحيم.
أقرأ ايضاً
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- الأولويّةُ للمواطنِ وليسَت للحاكم
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني