حجم النص
بقلم:سالم مشكور
عندما بدأ الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف سياسة الإصلاح الاقتصادي التي سميت البيروسترويكا (إعادة الهيكلة) نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي، توجس كثيرون من عواقب تلك السياسة على مصير الاتحاد السوفيتي السابق، وفي عام 1991 تحوّلت هواجسهم الى واقع عندما تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلت جمهورياته الواحدة تلو الاخرى. يومها ترددت أحاديث عن دور مخابراتي أميركي في ما جرى، والذي أنهى نظام القطبية الثنائية لصالح التفرد الأميركي بقيادة العالم.
وعندما فاز دونالد ترامب بالرئاسة في انتخابات العام 2016 تردد كثيرا على لسان مؤسسات وجهات سياسية وقضائية أميركية حديث عن مؤشرات على دعم روسي، بشخص الرئيس الروسي بوتن، للحملة الانتخابية لترامب. حينها جرى الربط بين تفكك الاتحاد السوفيتي على يد غورباتشوف وتأثير سلوك ترامب وشخصيته في هيبة أميركا وقوتها، وترددت هواجس على نهاية عصر القوة الأميركية على يد ترامب. البعض ذهب الى القول أن بوتين يثأر من أميركا التي فككت الاتحاد السوفيتي. خلال أربع سنوات من حكمه، أساء ترامب الى سمعة أميركا كثيراً، بل أن البعض انطلق من تاريخه وطبيعة نشاطاته وأعماله ليقول: إن مجرد وجوده كرئيس للولايات المتحدة يعتبر ضربة لهيبتها وصورتها أمام العالم. لكن ما حدث يوم السادس من كانون الثاني الحالي جاء مكملاً لتصرفاته المسيئة لبلاده التي طالما تغنّت بديمقراطيتها وقوة نظامها. فما حدث من هجوم على مبنى الكونغرس الأميركي على يد أنصار ترامب شكل صدمة كبيرة للأميركيين قبل غيرهم، لدرجة أن سياسيين واعلاميين كانوا يصرخون عبر وسائل الاعلام المرئي بان ما حدث يثير الاشمئزاز والقرف، بينما وصفته رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بوصمة العار التي لا يمكن محوها بسهولة.
وإذا كانت بيلوسي ديمقراطية فإن أعضاء من الجمهوريين لم يكونوا أقل حدة من نظرائهم الديمقراطيين في وصف ما يجري.
وما جرى كان بتحريض مباشر وصريح من ترامب الذي وصل الى حد الاستعانة بشارعه المنفلت والمسعور ليبقى في كرسيه رغم هزيمته في الانتخابات، حتى لو أدى ذلك الى حرب أهلية، متصرفاً كأي دكتاتور في العالم الثالث. أعطى أوامر الهجوم وجلس أمام الشاشة يراقب ما يجري، بينما كان يرسل طلبات تبرع الى أنصاره لحملته ضد الديمقراطية حاصداً ملايين الدولارات خلال ساعات قليلة. مسجلاً رقماً قياسياً في عملية استغلال كل الفرص للكسب
المادي.
الهجوم انتهى بفتح النار وقتل أربعة من المهاجمين وملاحقة آخرين، فالديمقراطية لا تعني ترك الذين يعبثون بالاستقرار والامن وهيبة الدولة، بذريعة التعبير عن الرأي.
أقرأ ايضاً
- ليلة السقوط الحُر Free fall !
- ما زال سقوط الموصل.. إصبع اتهام يُشير الى أطراف محلية وإقليمية ودولية ! - الجزء الثالث
- ما زال سقوط الموصل.. إصبع اتهام يُشير الى أطراف محلية وإقليمية ودولية ! - الجزء الثاني