- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وقف النساء الغاضبات والمعنفات
القاضي أريج خليل
يقصد بالوقف هو أن يكون المال، سواء كان منقولا أم عقارا، موقوفا ومقيدا لسبيل الله ومنفعة عباده فقط، حيث تحبس العقارات الموقوفة لغرض تحقيق النفع على المجتمع ككل ولا يستطيع صاحب الوقف استعادة أصولها، وأن الوقف الخيري مستحب بالإسلام كنوع من أنواع الصدقات المختلفة كونه مصدرا مستمرا لمنفعة المجتمع والأخذ بالاعتبار أن يكون ذا منفعة دائمة ومتجددة، وخاصة إذا استغلت الأموال الموقوفة في مشاريع الوقف الخيري بطريقة متوافقة مع الشريعة الإسلامية كون أن الوقف الخيري هو باب من أبواب التقرب إلى الله، والحكمة من جعله كذلك هو إيجاد مصدر تمويلي دائم لتحقيق مصالح خاصة ومنافع عامة يساهم فيها من وسع الله عليهم من ذوي الغنى واليسر.
والوقف سبب رئيسي في قيام المساجد والمدارس والربط ونحوها من أعمال الخير والمحافظة عليها فإن أغلب المساجد على مدى التاريخ قامت على الأوقاف، بل أن كل ما يحتاجه المسجد من فرش وتنظيف ورزق القائمين عليه كان مدعوماً بهذه الأوقاف.
وحيث أن الدين الإسلامي عزز مكانة المرأة باعتبارها أماً وبنتا وزوجة وساوى في المكانة بينها وبين الرجل يقول الله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195]. فنص القرآن في صراحة على أن الأعمال لا تضيع عند الله، سواء كان العامل ذكرا أم أنثى، فالجميع بعضهم من بعض، من طينة واحدة، وطبيعة واحدة، قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) مما يدل ان الإسلام جعل للمرأة شأن عظيم لذلك فإن الحفاظ على كيانها وكرامتها يعتبر بابا من أبواب التقرب إلى الله، وقد كتبت الباحثة الاجتماعية البحرينية نجوى عبد اللطيف مقالا عن وقف النساء الغاضبات دعت فيه ان تهتم جهات الوقف بإيجاد سكن للنساء اللواتي يتركن سكنهن بسبب مشاكل اسرية واللواتي يصعب عليهن العيش في منزل الزوجية، وأن يتم تهيئة سكن خاص لهن إلى ان يتم حل مشاكلهن حفاظا على كرامة المرأة بدلا من ان تحل ضيفة ثقيلة على احد افراد اسرتها، وكتبت كذلك القاضية الشرعية صمود الضميري واعتبرت ان وقف النساء الغاضبات مراعاة للمرأة كي تتجاوز الألم النفسي وتتمكن من حضانة أطفالها خلال فترة النزاع وان هذا الوقف يعزز السلم الأهلي والاجتماعي.
في العراق ومع ازدياد حالات الطلاق والمشاكل الأسرية بشكل ملحوظ، ومن الجانب الآخر التطور السريع لمكانة المرأة العراقية وبخطى واثقة وسريعة، وازدياد قضايا التفريق القضائي التي تستغرق أحيانا أوقات طويلة بسبب تنوع طرق الإثبات للضرر الذي يستوجب التفريق فيها وإجراءات المحاكم، فخلال فترة التقاضي قد لا تجد المرأة من يحتويها من أهلها واقاربها، لذا نجد ان تخصص إحدى عقارات الوقف لهذه الفئة حماية لها وللمجتمع فضلا إلى أنه يؤدي إلى عدم تفاقم الخلاف لان اكثر الخلافات تتفاقم من الأهل والأقارب، اي ان الغرض من وقف النساء الغاضبات والمعنفات يقوم على رعاية النساء اللاتي طلقن أو هجرن حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن. لذلك فحفاظا على الأسرة والمجتمع نأمل من الوقفين السني والشيعي مراعاة ذلك وتخصيص كل منهما لإحدى العقارات الموقوفة لغرض سكن النساء الغاضبات والمعنفات إلى أن يتم حل مشاكلهن والعودة إلى منازلهن او إيجادهن وسيلة كريمة للعيش ان حصل الطلاق، وهذا يعتبر عملا خيريا خالصا خلال فترة الخلاف العائلي او خلال فترة التقاضي لضمان كرامة المرأة العراقية وسلامة المجتمع.